خالد بن حمد المالك
في مؤتمر قمة (المياه الواحدة) الذي عُقد في الرياض، بحضور متميِّز، وكلمات وضعت اليد على الجرح، والقول بأهمية العمل، والتشخيص بانتظار التنفيذ، وقد ظهر لمن كان يتابع المؤتمر أن العالم أمام مشكلة قد تتفاقم، وأنه أمام تحد لا يهزمه إلا التعاون، ولا يُنتصر عليه إلا بالعمل الجاد والحقيقي، واستشعار المسؤولية على مستوى العالم.
* *
قال ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان إن العالم يواجه اليوم تحديات متزايدة في قطاع المياه، وأشار في كلمته إلى ارتفاع معدلات الجفاف في العالم، وإلى نقص المياه الصالحة للاستخدام، وركز على مشكلات التصحّر، وما يتبع ذلك من تهديد لحياة الإنسان والمجتمعات، وطالب بوضع خطط لضمان استدامة مصادر المياه، وذلك بالعمل المشترك.
* *
في كلمة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان عدَّد بعض ما قامت وأسهمت به المملكة لمعالجة أزمة المياه على مستوى العالم، بدءاً من إدراجها موضوعات المياه للمرة الأولى ضمن خارطة عمل مجموعة العشرين خلال مدة رئاستها عام 2020م، وتمويلها لأكثر من ستين دولة نامية بمبلغ ستة مليارات دولار أمريكي، فضلاً عن تأسيسها لمنظمة عالمية للمياه مقرها الرياض.
* *
وخطورة التحديات المرتبطة بالمياه أن هناك أكثر من ملياري شخص يفتقدون إلى مياه شرب آمنة، في حين أن 70 % من المياه العذبة تستخدم في الزراعة، كما أشار إلى ذلك رئيس مجموعة البنك الدولي، وأن الجهود الحالية لحل مشكلة المياه غالباً ما تكون مجزأة وغير منسقة بين الدول والقطاعات المختلفة، محذِّراً من تأثيرات تغيّر المناخ، بما في ذلك ارتفاع درجات الحرارة، واضطراب الأنظمة البيئية.
* *
يقول رئيس اللجنة العالمية لاقتصاديات المياه بأن البشرية تشهد لأول مرة تغيُّرات جذرية في المصادر الطبيعية للمياه العذبة، بما في ذلك ما يُعرف بـ(النهر الجوي) الذي يمثِّل 50 % من تدفق الأمطار في العالم، وذلك نتيجة الإدارة البشرية للغابات والنظم البيئية، مضيفاً أن استمرار الوضع على ما هو عليه قد يؤدي إلى تعرض ثلاثة مليارات شخص إضافيين لندرة المياه.
* *
ويقول الرئيس الفرنسي، إن تحدي المياه مرتبط بندرتها، أو كثرة توفرها ونوعيتها، وأن مسألة المياه مرتبطة عضوياً بمسألة مكافحة التصحّر، وهناك 60 % من المياه العذبة تعبر الحدود، وأن الكثير من النزاعات لها علاقة بالمياه، وكل شخص من كل أربعة أشخاص في العالم، لا يحصلون على مياه عذبة، وشخص من كل شخصين يواجه نقصاً في المياه سنوياً، مع أن المياه حق من حقوق الإنسان.
* *
إذاً فالعالم أمام مخاوف خطيرة، وتحديات لا يعالجها إلا الوحدة والتعاون دولياً لمواجهة التحديات البيئية المشتركة، ووضع سياسات ملزمة للحفاظ على هذه الموارد الطبيعية، والاستثمار في البنية التحتية، والتعامل مع هذه الأزمة بما تستحق، كونها تهدد التنمية المستدامة، وأمن الغذاء، والاستقرار البيئي، وتسمح بالنزاعات والحروب المائية بين الدول.
* *
وهذا يعني أهمية بناء شراكات دولية لكسر العزلة بين السياسات المائية، وتحقيق العدالة والكفاءات في إدارة المياه، كما أشار إلى ذلك رئيس اللجنة العالمية لاقتصادية المياه، لكن الأهم أن الاستثمار في المياه العذبة يمثِّل فرصة لإعادة تشكيل الاقتصاد العالمي، وضمان بيئة عمل آمنة ومستدامة للإنسان على كوكب الأرض، والكلام لرئيس اللجنة العالمية لاقتصاديات المياه.
* *
اهتمام المملكة بهذه المشكلة، وتبنيها لهذا الاجتماع، ودعمها للدول النامية الأكثر تضرراً، وجهودها الأخرى في هذا المجال، يؤكِّد استشعارها لمسؤولياتها في مواجهة هذا النوع من التحديات، والمطلوب من دول العالم أن يضعوا جهدهم مع جهد المملكة للتغلّب على هذه المشكلة، ومواجهتها قبل فوات الأوان.