د.خالد السيد حسن
تعرّف منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) الأمن الغذائي بأنه «الوضع الذي يتوافر فيه لجميع الناس، في جميع الأوقات، إمكانية الوصول المادي والاجتماعي والاقتصادي إلى الغذاء الكافي والآمن والمغذي الذي يلبي احتياجاتهم وتفضيلاتهم الغذائية من أجل حياة نشطة وصحية».
ويتطلب ذلك طرقا للإنتاج والتوزيع والاستهلاك تضمن الأمن الغذائي على المستويين الفردي والمجتمعي.
محددات الأمن الغذائي العالمي: يواجه الأمن الغذائي العالمي بالكثير من المحددات التي تعيق تحقيقه وبالتالي تحقيق أحد أهم الأهداف العالمية للتنمية المستدامة (2015 - 2030). وتتمثل تلك المحددات في:
- التغيرات المناخية والبيئية: حيث تؤثر تغيرات المناخ مثل ارتفاع درجات الحرارة والجفاف والفيضانات على إنتاج الغذاء.
- النمو السكاني: حيث يؤدي النمو السكاني السريع إلى زيادة الطلب على الغذاء.
- الظروف الاقتصادية: حيث تفرض معدلات الفقر والبطالة تحديات أمام تحقيق الأمن الغذائي.
- الصراعات وعدم الاستقرار: حيث تعطل الحروب والصراعات المسلحة الإنتاج الزراعي وتدمر البنية التحتية.
- السياسات الزراعية والتجارية: فالسياسات غير الفعّالة تعيق الإنتاجية وتؤثر على توفر الغذاء.
- التكنولوجيا والابتكار: التقنيات الزراعية الحديثة تعزز الإنتاجية.
- البحث والتطوير: الاستثمار في تحسين المحاصيل وتقنيات الزراعة المستدامة يعزز الأمن الغذائي.
- العادات الغذائية والصحية: فالأنماط الغذائية غير الصحية تؤثر على الأمن الغذائي.
- الاستدامة وأنظمة الغذاء: أنظمة الزراعة المستدامة ضرورية لضمان توافر الغذاء على المدى الطويل.
العوامل المؤثرة على الأمن الغذائي العالمي: هناك العديد من العوامل التي تؤثر على حالة الأمن الغذائي على النطاق الدولي أو العالمي، ومنها:
- انتشار الجوع: في عام 2019، كان هناك ما يقرب من 690 مليون شخص يعانون من نقص التغذية، ومن المتوقع أن يكون هذا العدد قد ارتفع بسبب جائحة كوفيد-19.
- سوء التغذية: يعاني ملياري شخص حول العالم من سوء التغذية.
- إنتاج الغذاء وسلاسل التوريد: تغير المناخ والصراعات الدولية والاقليمية يعطل سلاسل إمدادات الغذاء.
- تغير المناخ: يؤثر تغير المناخ على الأمن الغذائي من خلال الأحداث الجوية المتطرفة.
- التفاوت الاقتصادي: فالأسر ذات الدخل المنخفض أكثر عرضة لتغيرات الأسعار.
- الصراع والنزوح: فالصراعات والاضطرابات المسلحة تعطل الزراعة وتزيد من حالات النزوح للسكان.
- هدر الغذاء: يتم فقدان حوالي ثلث الأغذية المنتجة عالمياً.
- الممارسات الزراعية: الممارسات الزراعية المستدامة ضرورية لضمان الأمن الغذائي.
- التعاون الدولي: التعاون الدولي ضروري لمعالجة الأمن الغذائي العالمي.
ورغم التقدم في الحد من الجوع وتعزيز الأمن الغذائي عالمياً، لا تزال العقبات قائمة. الأمر الذي يتطلب استراتيجية شاملة تشمل تعزيز الإنتاجية الزراعية، والتوزيع العادل، والحد من هدر الغذاء، وتعزيز القدرة على الصمود في مواجهة الاضطرابات الاقتصادية والبيئية.
الوضع الحالي للأمن الغذائي العالمي:
حالة الأمن الغذائي العالمي معقدة وتختلف بشكل كبير من منطقة إلى أخرى على الخريطة العالمية. تعاني العديد من المناطق من تحديات متعددة تؤثر على توفر الغذاء واستقراره، من بينها آثار وباء كوفيد-19 والصراعات مثل الحرب في أوكرانيا.
تأثير وباء كوفيد-19: كان لوباء كوفيد-19 تأثير شديد على الأرواح وسبل العيش، مما تسبب في تباطؤ اقتصادي عالمي وإنهاء ثلاثة عقود من التقدم في الحد من الفقر. بين عامي 2019 و2020، ارتفع عدد الأشخاص الذين يواجهون الجوع بنحو 90 مليون شخص. وفي عام 2021، بينما كان هناك تعافٍ جزئي، إلا أن العديد من الفئات السكانية الضعيفة ما زالت تعاني من خسائر الدخل، مما أدى إلى معاناة 38 مليون شخص إضافي من الجوع.
تأثير الحرب في أوكرانيا: مع بداية تراجع تأثير الوباء في أوائل عام 2022، اندلعت الحرب في أوكرانيا، مما أثر على كبار المنتجين الزراعيين. هذا الصراع أرسل موجات صدمة عبر أسواق السلع الأساسية والطاقة، مما قوض جهود التعافي الاقتصادي وزاد من عدم اليقين.
تأثير ارتفاع الأسعار: أدى ارتفاع أسعار المواد الغذائية والمدخلات الزراعية وتكاليف الطاقة إلى إحباط آمال التعافي الاقتصادي من الوباء وتوقعات الحد من الفقر والجوع.
الاختلافات الإقليمية: يخفي الانخفاض العالمي في معدلات الجوع مابين عامي 2021 - 2022 اختلافات كبيرة على المستويين الإقليمي ودون الإقليمي. بينما تم إحراز تقدم في الحد من الجوع في آسيا وأمريكا اللاتينية، فإن الجوع يتصاعد في غرب آسيا ومنطقة البحر الكاريبي وإفريقيا.
سوء التغذية في إفريقيا: ارتفع معدل انتشار سوء التغذية في إفريقيا من 19.4 % في عام 2021 إلى 19.7 % في عام 2022، خاصة في شمال وجنوب إفريقيا. وزاد عدد الأشخاص الذين يعانون من الجوع في إفريقيا بمقدار 11 مليونًا منذ عام 2021 وبأكثر من 57 مليونًا منذ بداية الوباء.
تحسن في آسيا: في آسيا، انخفض معدل انتشار سوء التغذية من 8.8 % في عام 2021 إلى 8.5 % في عام 2022، مما يشير إلى انخفاض بأكثر من 12 مليون فرد، خاصة في جنوب آسيا.
ومع ذلك، يظل هذا الرقم أعلى بنحو 58 مليونًا من مستويات ما قبل الوباء. أما في غرب آسيا، فقد ارتفع معدل انتشار سوء التغذية من 10.2 % في عام 2021 إلى 10.8 % في عام 2022.
أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي: شهدت أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي تحولاً، حيث انخفض معدل انتشار سوء التغذية من 7.0 % في عام 2021 إلى 6.5 % في عام 2022، مما أدى إلى تقليص عدد الأشخاص الذين يواجهون الجوع بمقدار 2.4 مليون. ومع ذلك، لا يزال العدد أعلى بمقدار 7.2 مليون مقارنة بعام 2019.
في منطقة البحر الكاريبي، ارتفع معدل سوء التغذية من 14.7 % في عام 2021 إلى 16.3 % في عام 2022.
التوزيع الجغرافي لمستويات الأمن الغذائي:
يمكن تقسيم أقاليم العالم إلى ثلاث مستويات، حسب نسب تحقيقها للأمن الغذائي لمواطنيها، كالتالي:
- المناطق ذات الأمن الغذائي المرتفع: وتشمل أوروبا (88 %)، أمريكا الشمالية (93 %)، وأستراليا ونيوزيلندا (94 %).
- المناطق ذات الأمن الغذائي المعتدل: تشمل أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي (77 %) وآسيا (78 %).
- المناطق ذات الأمن الغذائي المنخفض: تشمل إفريقيا (59 %).
الوضع المستقبلي للأمن الغذائي العالمي:
من المتوقع أن يعاني ما يقرب من 600 مليون شخص من سوء التغذية المزمن بحلول عام 2030، مما يمثل زيادة بنحو 119 مليون شخص مقارنة بسيناريو بدون الحرب في أوكرانيا.
من المتوقع حدوث تقدم في آسيا، بينما من المتوقع حدوث ركود في أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، وتصاعد الجوع بشكل كبير في إفريقيا.لن تستطيع غالبية دول العالم من تحقيق هدف التنمية المستدامة، والمتعلق بالقضاء التام على الجوع بحلول 2030.