«الجزيرة» - المغرب:
تنظم ملتقيات الجامعة الأورومتوسطية بفاس حول تحالف الحضارات، في موضوع «إعادة بناء الثقة وتحسين وضعية العالم»، وذلك من خلال الإيمان بقدرة الفعل الجماعي على استعادة الثقة في المستقبل، وتوطيد الثقة داخل المجتمعات وإحياء الثقة كأساس لا يعلى عليه في مجال التعاون بين الأمم.
يشارك في هذا المؤتمر الدولي نخبة من المفكرين ورجالات الدولة والجامعيين وأصحاب القرار وممثلي المجتمع المدني ورجالات الدين من مختلف الشعوب والأمصار ومن أكثر من خمسين بلداً، وهم كلهم يؤمنون بضرورة بناء الثقة والعيش المشترك.
وستبرمج الجلسة الافتتاحية بمركز المحاضرات بالجامعة الأورومتوسطية بفاس، وستعرف تدخل شخصيات وطنية ودولية، والافتتاح الرسمي لكرسي تحالف الحضارات الذي أنشئ بتعاون مع تحالف الحضارات التابع للأمم المتحدة، وتوزيع الجوائز الأورومتوسطية وحفلاً موسيقياً يجسد قيمة السلام بين الشعوب والأوطان.
وسيعقد المؤتمر جلسات متعددة وحوارات بناءة من شخصيات وخبراء مغاربة ودوليين مرموقين... فكلنا نحلم ببناء الأسرة الإنسانية الواحدة وبالتسامح والتحالف والجمال، ولكن الواقع يؤكد أن هناك عدة عوائق تجعل من مبادئ التعايش السلمي مسألة صعبة: فهناك فوارق اجتماعية وأزمات تجعل العيش الآمن لملايين البشر شيئاً بعيد المنال؛ كما أن هناك سياسات من صنع البشر تجعل صناعة الحاضر والمستقبل محفوفة بالمخاطر والويلات وتجعل المجتمعات تتقاسمها الكثير من المخاوف؛ كما أن هناك سوابق معرفية تؤطر الأذهان وتوجه الواقع وسلوك الإنسان؛ وبالتالي فإنه لابد من فتح هذه المنطقة ودخولها لاستكشافها وتنقيتها وإعادة ترتيبها.
هناك أناس كثيرون يهاجرون سراً بدافع الضرورة بحثاً عن عيش أفضل أو هروباً من ويلات الحروب والفتن؛ كما أن هناك حقائق مؤلمة وأرقاماً مرعبة قدمتها تقارير الأمم المتحدة الأخيرة بخصوص حركة المهاجرين السريين واللاجئين عبر البحر الأبيض المتوسط؛ وتشير هذه الأرقام إلى ارتفاع مأساوي في عدد الوفيات فاق 130 بالمائة مقارنة بالسنوات الماضية، فأضحت المياه المتوسطية مقبرة للمهاجرين القادمين من إفريقيا والدول العربية والشرق الأوسط... ومشكلة الهجرة من المشاكل المستعصية إذ تتداخل فيها عوامل السيادة والاقتصاد والاندماج واللجوء السياسي والانتخابات؛ ومن إفرازاتها صعود تيار القوميات في البلدان الأوروبية، وهو ما برز في فرنسا وإيطاليا وبلجيكا وهولندا والدنمارك، وبلدان وسط أوروبا، دون نسيان القوانين الردعية التي تنتظر المهاجرين.
كما أن الإصرار الممنوح للعامل الإيديولوجي والثقافي يساهم كآلية حرب مدمرة تحجب المسببات الأساسية للتوترات المتواجدة اليوم في كل القارات، وبالتالي فإنها تؤيد في الغالب توزيعاً أحادياً للمسؤوليات؛ «فأمراض» ثقافة الآخر تكفي لتفسير صعوبات التعايش معه...
كما أن هناك سياسات من صنع البشر تجعل النشاطات البشرية تتسبب في كوارث مناخية لم تعهدها البشرية من قبل. فالحرارة التي تعيشها أمريكا وأوروبا والعديد من الدول العربية لم تعهدها البشرية من قبل؛ وهي سترتفع بواقع 1,5 درجة مئوية، وستتكرر الموجات الحارة الشديدة كل 10 سنوات وذلك بسبب الاحتباس الحراري العالمي، كما أن الجفاف وهطول الأمطار بغزارة سيصبحان أيضاً أكثر تواتراً.
كما أن النظام العالمي القائم على الغموض والتوجس والتقلب والمجهول يجعل العديد من النخب في إفريقيا وآسيا تبحث عن شراكات متكافئة وعن علاقات متوازنة وعن الندية وعن دول لا تحمل نظارات استعلائية في علاقتها مع الآخر ولا تحمل رسائل دعوية أو قيمية؛ فلم يكتب لدول النجاح في تعاملها مع إفريقيا مثل الصين إلا لأن استراتيجيتها قائمة على قاعدة رابح - رابح win - win.
كما أن الذكاء الاصطناعي الذي يعد بثورة حقيقية واستخدامات كثيرة أخرى ما زال يتحتم استكشافها، أصبح محط تساؤل من العديد من الدول والأفراد الذين يحذرون من «عواقب غير مرغوب فيها»، ويتخوفون من أمور متعلقة بـ «مسألة الانخراط البشري» إضافة إلى «انعدام الوضوح على صعيد المسؤولية» و»العواقب غير المقصودة المحتملة». كما أنه يطرح مخاطر مثل انتهاك الحياة الخاصة وخلل في الخوارزميات وغيرها، تستدعي تنظيم هذا القطاع، وهو ما يصعب القيام به في ضوء التطور السريع لهذه التقنيات.
نفهم من خلال هذا كله أن العالم يعاني من أزمات كثيرة وصعبة، وأن الحوار الحضاري ضرورة قصوى، وهو لا يجب أن يشمل فقط مسألة الديانات والثقافات كما هو متداول عند البعض، وإنما يجب أن يتناول ميادين سياسية واقتصادية واجتماعية وبيئية وفكرية؛ ولا يمكنه إلا أن يكون عالمياً وشاملاً لينتظم به ومعه التنوع البشري بكل أشكاله ومصالحه... كما أن تجذير بناء الثقة هو واحد من القواعد التي يمكن أن تساهم في بناء السلم والسلام والتطور المنشود.... وكل هذا يشكل جوهر ملتقيات فاس حول تحالف الحضارات.