وفاء سعيد الأحمري
في عالمنا اليوم،عصر التقدم الإداري والتكنولوجي المتسارع تعتمد المنشآت والمؤسسات على قياس مؤشرات الأداء كأداة قياس لمستوى الكفاءة والإنتاجية، ويتجه تركيز الإدارات بشكل كبير على لغة الأرقام والإحصائيات، لكنها قد تغفل عن احتياج الموظف لبيئة عمل صحية وداعمة.
أزمة مؤشرات الأداء ليست المشكلة فيها كأداة قياس، بل في الاستخدام لها بطريقة تُفقدنا القدرة على التعامل مع الموظف بإنسانية. فتضع المؤسسات تركيزها على رفع مؤشرات الأداء المالي والإنتاجي بشكل عام، لكن تغفل في بعض الأحيان عن حاجة الموظف إلى النظر إليه كإنسان وليس رقما في الخطط المعدة. يحتاج الموظف إلى بيئة عمل مبنية على التفاهم والاحترام المتبادل لترتفع كمؤشر متزامنة مع لغة الأرقام بشكل تلقائي وانسيابي بعلاقة طردية وليست عكسية. بالتالي مع التطور المتسارع تتحول هذه الأرقام إلى وسيلة للضغط الزائد على الموظفين. مع الوقت قد يقل التركيز على الاحتياجات الإنسانية البسيطة في زحمة السعي خلف الأهداف والخطط المتغيرة بشكل دوري في وقت قصير؛ حيث يطلب من هذه المؤسسات أن ترفع من مؤشراتها عاما بعد عام، دون النظر إلى رفع المؤشرات بطريقة واقعية، بين ما يطلب منها بالتوازي مع الإمكانيات المتوفرة لديها؛ لأن عدم اتزان هذه المعادلة يخلق أزمة مرئية.
هذه الأزمة تحتاج الوقوف عندها والتفكر فيها بعمق من خلال النظر إلى منحنى السعي وراء الصعود السريع دون ملاحظة باقي المسارات التي يفترض أن تكون متوازية وليست متقاطعة. هذه التقاطعات في المسارات تخلق العديد من التساؤلات على سبيل المثال: هل يوجد في الخطط المعدة للمؤسسات مؤشرات تقيس الأمانة والصدق؟ هل هناك مقاييس مؤشرات لقياس التعاون الواقعي واحترام الآخرين؟. هل ينظر الى مؤشرات الاهتمام بروح الإنسان. ماذا عن المؤشرات غير المرئية مثلا، عدد الإخفاقات التي سبقت ارتفاع مؤشرات بعض الأهداف؟ هل يعد بها وتعتبر نجاح أيضا للمؤسسة. ماذا عن مقياس الصبر ومحاولة المجاملة؟ هل تعتبر مؤشر نجاح أم عكس ذلك؟. وأتساءل عن مؤشر تراجع الصحة العامة وجودة الحياة في مقابل ارتفاع مؤشرات أهداف عامة مؤسسية. هل يتم احتسابها إخفاقا؟ أم نجاحا؟. وتطول القائمة وتزيد ولا تنقص عن هذه المؤشرات الإنسانية المنسية التي لا تقاس أصلا بشكل يعكس الواقع.
المنشآت بحاجة إلى قياس النجاح من منظور إنساني منطقي، بل قد يكون أهم دليل نجاح المؤسسة هو مساهمتها في الحفاظ على روح الإنسان من الاحتراق الوظيفي والعجز الروحي والإيجابية غير الواقعية، ومن الجيد أن يتم وضع أهداف و مبادرات لكل موظف لمساعدته أن يكون متوازنا بين إنتاجيته واحتياجاته. بهذا تحقق أهداف جميع الأطراف بحياة عملٍ صحية ناجحة وهادئة. لأنه لا يمكن تحقيق الاستدامة الحقيقة دون البدء برعاية الموظف معنويا ،وهذا هو أهم مؤشر نجاح المؤسسات الذكية.
في نهاية المطاف، يجب أن نكتب النجاح من خلال إنسانيتنا، قيمنا، وأخلاقنا، قد يعد ذلك تحديا لكنه مؤشر تميز، ليس فقط على القادة والمدراء، بل كل فرد في المؤسسة. نتمنى صياغة خطط وأهداف تتضمن مؤشرات الأخلاق، مؤشرات جودة الحياة والصحة، مؤشرات الرضا، ومؤشرات السعادة والانسجام؟. عندها نستطيع القول إننا نعمل في بيئة احترافية تعترف بإنسانية الإنسان وروحه وكرامته.