زيد شحاثة
تشن معظم الحروب سعياً لتحقيق أهداف معينة، لم يكن متاحاً تحقيقها قبلها، أو ربما لفرض واقع حال جديد، يغير واقع حال المعادلات التي قائمة، وتقلب موازين القوى أو تغيرها، وتفرض ظروفاً جديدة، فتتيح إملاء شروط من قبل الأقوياء والمنتصرين على الآخرين..
لم تخلُ الحروب العربية مع الكيان الإسرائيلي، من وجود مباشر وواضح للقوى الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، تحت مختلف الحجج والذرائع، التي كانت تسوقها تلك القوى لتقنع بها مجتمعاتها، من خلال آلتها الإعلامية الضخمة، التي كان يسيطر عليها اليهود، قبالة فشل إعلامي عربي وإسلامي، يظهر جهلنا الكامل بخطورة تلك الأداة.
ما قد يغيب عن الكثيرين، أنه وخلال عشرات السنوات من هذا الصراع، كان الغرب هو الخاسر الأكبر.. فكيف ذلك؟!
منذ تصدُّر الولايات المتحدة للشأن العالمي بعد الحرب العالمية الثانية، وتراجع الغرب عن دوره الاستعماري كقائد للعالم، وصيرورته تابعاً لسياساتها مضطراً، كنتيجة لآثار تلك الحرب المدمرة.. صارت أمريكا هي من تصدر الثقافة، وتحدد معاير الحقوق، وتلعب دور الوسيط لكل النزاعات في العالم، حتى لو كانت من صنعها، بل وصارت تقدم نفسها كنموذج « الحياة الحلم» التي يجب أن تكون عليها الحياة الإنسانية.
بل وصلت مرحلة أن صارت هي المعيار، لمختلف القضايا الثقافية والحضارية والفكرية، خصوصاً مع انهيار خصمها النوعي «الاتحاد السوفياتي» وفشل الفكر الشيوعي، لكن ما كان يزعزع هذا الدور «المتفرد» لأمريكا، هو انحيازها الكامل للكيان الغاصب، رغم محاولاتها تغطية ذلك كله، بثوب الدفاع عن النفس، وحفظ الديمقراطية وحقوق الإنسان، وكثير من تلك « المفاهيم» التي كانت تقدمها كثوابت لسياساتها ومنهجيتها.
لكن كل ذلك وعندما بدأت المجتمعات، تقارن بين ما تدعيه «أمريكا والحضارة الغربية» وما تطبقه وتفعله، خصوصاً خلال الحرب الأخيرة ضد فلسطين ولبنان، صار سلسلة من الأكاذيب والخدع، وأن ما كانت تدعيه أمريكا، من دفاعها عن الحقوق والإنسان والنساء وما شابه، كان نفاقاً له أهداف سياسية بحتة.
من الواضح أن دور النموذج الأخلاقي والمجتمعي والديمقراطي والحقوقي، أو دور والوسيط المحايد العادل، لم يعد صالحاً، لأن تلعبه أمريكا، ليس أمام الحكومات أو النخبة السياسية، بل ولم يعد مقبولاً مجتمعياً ولا حتى من قبل المجتمعات الغربية نفسها.. وهنا خسارتهم الكبرى.