فيصل بن عبد الله بن محمد آل سعود
الرحلة الأولى
هذه السيارة Mustang Boss 429 لها تاريخ مع شركة فورد، وتاريخها معي قصة فريدة في عام 1969م عندما سافرت بها من سان فرانسسكو إلى نيويورك، وتعطل الكلتش علي في أوماها نبراسكا ولم نجد قطع غيار، وأكملنا أنا وصديقي جون برات إلى شيكاغو معتمدين على تغير القير مع الRBM. لم نجد قطع غيار في شيكاغو وكملنا إلى أن توقفت السيارة كلياً على الطريق السريع في لاپورت إنديانا وسحبناها إلى ديترويت وهنا بيت القصيد.
مختصر قصتنا وغرابتها أننا سحبنا السيارة إلى المقر الرئيسي لشركة فورد في ديربورن ديترويت، وهنا استلموا السيارة وأرسلوها اليوم التالي إلى مصنع الإنتاج حوالى 70 ميل من ديترويت ولأول مرة في تاريخ شركة فورد تدخل سيارة مستعملة خط الإنتاج (New Assembly line) للسيارات الجديدة وتغير المكينة ومعظم القطع المتحركة فيها، وتأخذنا اليوم التالي إلى المصنع لنشاهد سيارتنا صباحاً في آخر سير الإنتاج ونستلمها بعد غدائنا معهم بعد العصر سيارة جديدة منتهية بكل المعاني. قدنا السيارة إلى المقر الرئيسي للشركة قدموا لنا الهدايا واعتذروا منا وتمنوا لنا رحلة سعيدة إلى نيويورك.
«لا أعتقد حصلت لأحد قبلنا أو بعدنا»*.
* على فكرة المملكة كانت مقاطعة شركة فورد آنذاك.
«الرحلة الثانية»
من نيويورك إلى سان فرانسيسكو في عام 1974م، بدأت الرحلة في هذه السيارة الجميلة CITROEN SM MASERATI والتي تكرم بها على والدي الملك سلمان بعد رحلتنا التاريخية في معيته صيف ذلك العام - يحفظه الله- شحنت السيارة إلى نيويورك ووجدتها جاهزة بفضل الله ثم بفضل الصديق والمربي الفاضل عبد العزيز المنقور - يرحمه الله - الملحق الثقافي بنيويورك. بدأت الرحلة جنوباً برفقة مرتضى توكلى زميل من إيران توقفنا في ولاية جورجيا (Georgia) آخر ما تأسس من المستعمرات الثلاثة عشر وسميت على جورج الثاني ملك بريطانيا، مدينة أوغوستا (Augusta) والمشهور بلعبة الغولف عالمياً كانت وجهتنا حيث أقمنا في ضيافة عائلة تعرفت عليها عندما كنت أعمل بمركز الأبحاث والتنمية الصناعية بالرياض عام 1972م. تعرفنا وتوقفنا في أماكن عدة، كانت تجربة لرؤية أمريكا من الداخل، إلى أن وصلنا إلى ولاية لويزيانا (Louisiana) حيث كان توقفنا في مدينة نيو أورليانز (New Orleans) وصدفة كان وقت مهرجان ماردي غرا (Mardi Gras) الذي يشتهر بموسيقى الجاز، والمدينة مشهورة بروحها الفرنسية وبها الشارع المسمى بوربون ستريت (Bourbon Street) المشهور بمطاعمه الفرنسية وبالحياة طوال الأربع وعشرين ساعة.
كانت صدفة جميلة لم نتوقعها شاركنا الاحتفالات وتعرفنا على أصدقاء وقررنا تناول العشاء بأفخم مطاعم الشارع المشهور، كان بعض من تعرفنا عليهم من الإخوان ذوي البشرة السوداء تفرقنا قليلاً وعندما وصلنا المطعم طلبنا طاولة مطلة على الشارع، حضروا لنا الطاولة بينما كنا ننتظر الآخرين، عندما وصلوا ورأى المسؤول ذوي البشرة السوداء قال: انتظروا قليلاً، لم نعرف السبب، ولكنه عاد ليخبرنا أن الطاولة محجوزة وأخذنا إلى طاولة في الخلف مغلقة بنوافذ في السقف لم تعرف السبب، لكن تبين أن السبب وجود أصدقائنا، تأثرت كثيراً لكن لم أود أن أثير المسألة تفادياً لإحراجهم عدنا إلى الفندق وقررنا أن تكمل جلستنا لكني تفاجأت بعدم السماح لهم بمرافقتنا فغضبت لهذا التصرف، وأصررت على مرافقتهم لنا أخذت المسؤول وشرحت له أني ضيف الولايات المتحدة وأحمل جوازاً دبلوماسياً وسوف يثير تصرفهم أزمة إذا لم يسمحوا لهم بمرافقتنا، بعد أخذ وعطا سمحوا لهم وكانت تجارب لا أتوقع حدوثها في وقتنا الحاضر، فقد انتهى عصر التفرقة العنصرية ولكنه لازال قائما على ما يبدو.
غادرنا نيو أورلينز واتجهنا إلى نيومكسيكو (New Mexico) حيث قضينا يومين في محمية الهنود الحمر (Indian Reservation) حيث تمتعنا بالتعرف على طبيعتهم التي يكسوها نوع من الحزن الداخلي بحياتهم وموسيقاهم وفنونهم وحرفيتهم ومجوهراتهم بصياغتها الجميلة التي زين معظمها حجر الفيروز الجميل.
وصلنا إلى أريزونا (Arizona) حيث الجرائد كانيون (Grand Canyon) والصحراء ونباتات الكاكتس( Cactus) المختلفة الأشكال والألوان بعد رحلة طويلة وكنا متعبين وسكنا في الهوليدي إن على الشارع الرئيسي في مدينة تيمبي( Tempe). عند الصباح فتحنا النوافذ لنرى الجمال في مبنى خرافي بتصميمه جذب مني الروح يقع في الجهة الثانية من الطريق وقررنا زيارته، كان المبنى هو المسرح (Auditorium )لجامعة تيمبي والذي صممه المهندس العالمي فرانك لويد رايت. تجولنا في المبنى الذي أخذنا بتصميمه وألوانه وكانت المفاجأة، المبنى صمم ليكون هدية من الحكومة الأمريكية لمبنى الأوبرا (Opera House) في العراق الشقيق، ولم يتحقق بعد الثورة على الملكية بالعراق.
كان ختام رحلتنا مسكا قبل إكمالها إلى سان فرانسيسكو كاليفورنيا، هذا المبنى كان سبب في أجمل الذكريات وكان السبب في تعرفي لاحقاً على مدرسة فرانك لويد رايت في تاليسن (Taliassen) حيث تعرفت على السيد ويسلي پيترز (Wisely Peters) المسؤول والخليفة( Disciple) لقرانك لويد رايت دعاني السيد بيترز لقضاء عيد الإيستر (Easter Holidays) في مدرستهم وكانت تجربة خيالية حيث قضيت ثلاثة أيام من أمتع أيام حياتي بين العقول المبدعة فكريا بتصميماتها الهندسية غير العادية، وبين الاحتفالية الفنية بتلوين البيض بمناسبة العيد كما كان لي التعرف وقضاء وقت ممتع مع السيدة رايت وهي سيدة تزينها القيم الأروثودوكسية الروسية هيئة وحضوراً وتصرفاً وطلعة.
أيام لا تنسى في الجنوب الأمريكي، خصوصاً وأنت تتمتع بأجمل تجربة للتعرف على المكان والإنسان بين الساعات التي تقضيها وأنت تتأمل بين مقبض السيارة وما يسوقك إليه من مواقف تواجه بها اللامعروف وغير المتوقع وتعيش تجارب لا تنسى في حياتك.