د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
بالطبع دول «أوبك بلس» لن تدعم التحول نحو الطاقة المتجددة بشكل مفاجئ لعدة عوامل، لكنها في نفس الوقت تستثمر في الطاقة المتجددة صناعات المستقبل، فيما أوروبا تود أن يتحول الاستثمار في استكشاف حقول نفطية جديدة، والتوجه نحو الاستثمار في الطاقة المتجددة، بينما الصين والهند يتمنيان التحول المفاجئ نحو الطاقة المتجددة، حيث تعتبر الصين أكبر مستثمر في العالم في الطاقة المتجددة، بينما الولايات المتحدة أصبحت أكبر دولة في إنتاج النفط والغاز، لكنها لا تود خسارة الأوروبيين.. لكن في عهد ترامب يتم دعم ضخ الاستثمارات في الاكتشافات وحفر آبار جديدة، من أجل زيادة العرض الأميركي لتكون داعمة لأسعار النفط، على عكس بايدن الذي كان يطالب السعودية بزيادة الإنتاج من أجل خفض الأسعار.
بحسب الدورية البترولية التي تصدر من باريس (بتروستراتيجيز) اعتبرت أن هناك قصر نظر حول تحول الطاقة وعدم الأخذ بنظر الاعتبار حجم التوسع في الأسواق الأسيوية ودورها الضخم في أسواق الطاقة العالمية، التي تستهلك أكثر من نصف الطلب العالمي على الطاقة، ونحو 70 في المائة من توليد الطاقة الكهربائية في آسيا يتم بوسائل طاقات تقليدية وليس من المصادر المستدامة، في حين أن استهلاك الفرد في آسيا عُشر استهلاك الفرد في الدول الصناعية.
نصف توليد الطاقة الكهربائية تتم في الهند من الفحم الحجري وكذلك في ألمانيا كان بنسبة 40 في المائة في توليد الكهرباء حتى 2016، عادت إليه بعد الحرب الروسية في أوكرانيا وتوقف إمدادات الغاز الروسي عبر أنبوب نورد استريم 1عبر بحر البلطيق، حتى أصبح توليد الكهرباء في ألمانيا يأتي من الوقود الأحفوري بنسبة 52 في المائة، ونحو 44 في المائة على مستوى العالم، تعادل كثافته 2,2 كثافة الغاز الطبيعي، بل حتى الدول الأوروبية وأمريكا يستهلكون نسباً عالية من الوقود الأحفوري، فإذا كان استهلاك الفرد من الطاقة في الولايات المتحدة 22 برميلاً، مقارنة بـ 9 براميل في الاتحاد الأوروبي، ينخفض إلى 1,4 برميل في الهند وأقل من برميل في أفريقيا.
ترى السعودية أن معظم خطط تحول الطاقة لا تأخذ بنظر الاعتبار آراء وأولويات أسواق الطاقة الأسيوية مما يشكل فجوة كبيرة في توقعات مراحل تحول الطاقة، بسبب أن معظم خطط التحول تركز فقط على التغيير من السيارات الخاصة واستبدالها بالسيارات الكهربائية والهجينة دون النظر إلى بقية وسائل النقل الأخرى من النقل العام والنقل الجوي والبحري وما تستهلكه من الوقود بكميات كبيرة.
لذلك ترى السعودية التي تقود أوبك أن يستمر الطلب على النفط عالمياً بمعدل 100 مليون برميل حتى عام 2050 على عكس ما تتوقعه وكالة الطاقة الدولية، لكن السعودية بادرت بإزالة الانبعاثات من خلال مبادرات مثل المبادرة الخضراء السعودية، ومبادرة الشرق الأوسط الخضراء، وتطبيق نهج الاقتصاد الدائري على الكربون وتقنياته، وغيرها من البرامج الوطنية والإقليمية.
للحد من الاحتباس الحراري عند 1,5 درجة مئوية مقارنة بالفترة الممتدة بين 1850 - 1900 من خلال الخطط المناخية الوطنية الجديدة، التي يجب على الدول تقديمها في 2025 من خلال التعاون الدولي الذي تضطلع به الأمم المتحدة من خلال عملية مؤتمرات الأطراف التي تقودها الحكومات، لكن الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ سيمون ستيل يرى أن العالم يتجه في الوصول إلى نحو 3 درجات مئوية حسب الأهداف والسياسات الحالية، ويطالب السعودية بأن تدفع نحو حلول مناخية متسقة تخدم الجميع في كوب 29 الذي سيعقد في الرياض، ولا سيما في مجال التحول إلى الطاقة المتجددة بزيادة نسبتها إلى 50 في المائة بحلول 2030 لزيادة سعة المشاريع الطاقة المتجددة إلى 130 غيغاوات بحلول 2030.
السعودية هي وسط بين الدول الأوروبية وأمريكا ترامب الذي ألقى فوزه بالانتخابات بظلاله على قمة المناخ بعد تهديده بالانسحاب من اتفاقية باريس، خصوصاً أن المفاوضين يرون أنه ينبغي زيادة التمويل للدول النامية على 100 مليار دولار سنوياً لمساعدة الدول النامية على الاستعداد لمواجهة تفاقم التبعات المناخية، ولا تود الدول النامية أن يكون هذا الدعم قروضًا بل منحًا، وتوصل المؤتمر في باكو إلى توفير 300 مليار دولار للدول الأشد فقراً سنوياً بحلول 2025، رغم أن هذا المبلغ لا يقترب من 1,3 تريليون دولار الذي تطالب به الدول النامية، فيما السعودية في كوب 29 ستؤكد على أمن الطاقة لتحقيق النمو الاقتصادي والاستدامة، وستتجه نحو سد فجوة تمويل المناخ عالمياً بسوق الكربون الطوعي.
سجلت السعة الإنتاجية لتوليد الكهرباء في 2023 من مصادر متجددة عالميا 473 جيجاواط، من إجمالي 3870 جيجاوات واتجه ما يزيد على 600 مليار دولار من الاستثمارات، غير أن الاستثمار يجب أن يبلغ 1,3 تريليون دولار في كل عام حتى نهاية العقد، وبالتالي فإن مضاعفة قدرات الطاقة المتجددة ثلاث مرات بحلول 2030 لا يزال هدفاً بعيد المنال، أي إضافة 7,2 تيرا واط، غير أن هذا النمو لم يتوزع بشكل متوازن حول العالم، حيث تركزت الاستثمارات بنحو 43 في المائة في الصين وفي آسيا 69 في المائة، و20 في المائة في أوروبا و15 في المائة في الولايات المتحدة، وتسبب ضعف الاستثمار في الطاقة الخضراء، وتوزيعها بشكل غير متوازن في دفع العالم على مسار زيادة الحرارة بما يتجاوز عتبة 1,5 درجة مئوية، وهي العتبة الحرجة التي وضعها العلماء ضمن جهود عالمية لاحتواء التغير المناخي.
تذبذب ميل محور الأرض من 22,1 إلى 24,5 درجة خلال دورة تبلغ في متوسطها 140 ألف سنة، حالياً درجة ميل محور الأرض 23,5، وكلما قل ميل محور الأرض أصبح الفرق بين الشتاء والصيف قليلاً، يكون فيه الصيف أقل حرارة، وكذلك الشتاء أقل برودة، لكن عندما تكون الفروق بين الفصلين كبيرة، يصبح الصيف عالي الحرارة، والشتاء عالي البرودة، وارتفاع مستوى سطح البحار هو أحد اعراض تغير المناخ مع ارتفاع درجات الحرارة، حيث تزداد المياه الدافئة في الحجم نتيجة التمدد الحراري، ينتج عنها تغذية مرتدة فيضانات كثيرة كما في بنغلاديش، الصين، الهند، هولندا، وغيرها، وتواجه الجزر الصغيرة المنخفضة في المحيط الهادئ مثل فيجي، جزر سليمان، حيث ترتفع البحار 20 سم في كل قرن فبين 1880 - 2000 ارتفع منسوب البحار 20 سم، ورصدت الأقمار الصناعية ارتفاع منسوب البحار بين عامي 1993 - 2017 نحو 7,5 سم.
** **
- أستاذ الجغرافيا الاقتصادية والسياسية سابقاً بجامعة أم القرى