د. محمد عبدالله الخازم
السؤال المرادف للعنوان هو كيف نعرف تراجع قيمة العلم في مجتمع ما؟ والإجابة، عندما يحدث التالي: -
1 - عدم البحث عن المصادر العلمية في القرارات الإدارية والتنظيمية، فيكون البديل الاعتماد على الحدس والانطباعات والخبرات الشخصية وليس المرجعية العلمية. يتراجع العلم عندما تصدر أنظمة وتعليمات دون وجود أدلة علمية ودراسات مقارنة واستقصائية رصينة تعلي قيمتها العلمية والفكرية والفلسفية والموضوعية.
2 - عدم تقدير العلماء والأكاديميين الباحثين وتحول النغمة ضدهم وكأنها أصبحت وصمة أن تتحدث عن العلم والنظريات في مجتمع الإدارة أو المجتمع العادي، بما في ذلك بعض الإعلام الذي لا يهتم بالجوانب العلمية في طرحه. أتحدث عن العلم والعلماء دون تحديد أيدلوجية أو فئة، فالباحث الإسلامي عالم والباحث في الذرة عالم والباحث في الجينات عالم، إلخ. كل يقدر في مجال اختصاصه. بمعنى آخر، التقدير جزء منه قبول الآخر وفق علمه واحترام وجهات النظر المختلفة.
3 - تناقص دعم البحث العلمي أو تأرجحه أو عدم احتلاله أولوية، والذي قد يؤثر على المخرجات بعد فترات ليست قصيرة باعتبار نتائج ودورة البحث العلمي المميز تمتد سنوات أحياناً قبل نضوج مخرجاته. الصورة تكون أوضح في النوعية وليس العدد، فالعدد قد ينمو طالما ازداد عدد الأساتذة الباحثين عن الترقي.
4 - غياب وتراجع الجدل والمناظرات والنقاشات العلمية الجادة. بما في ذلك التراجع في المؤتمرات الكبرى التي تتحول إلى مجرد محاضرات وإلقاء ونقاشات مليئة بالمجاملات التي تفقدها الزخم العلمي المحفز. الدراسات العليا في الجامعات تشكل مثالاً لهذا الجانب حيث يجب أن تكون سمتها النقاشات والمناظرات وليس مجرد مواد دراسية.
5 - تواضع مراكز البحث ومستودعات الفكر المستقلة والمحايدة وغيابها عن المشهد التنموي الحقيقي. أو اعتمادها (البهرجة) والبحث عن الأرباح أكثر منه إنتاج مواد ذات أدلة علمية رصينة مستقلة.
6 - تراجع أطروحات النخب بمن فيهم العلماء والمثقفون والمفكرون، وتحولهم إلى مجرد متفرجين أو مستمتعين بضجيج وسائل التواصل الاجتماعي التي تمجد بعض تاريخهم، وكأنهم يخشون نسيان الناس لهم بينما إنتاجهم العلمي متراجع جداً. العلماء والمفكرون يمتازون بالجدية والمثابرة في البحث والجدل العلمي والاستقلالية في الرأي لا البحث عن منصات البروز. مهمة المثقف والمفكر العمل وفق الأسس العلمية في قيادة وعي المجتمع لا تضليله بالمدائح الوهمية..
7 - تراجع الحرية الفكرية الداعمة للنقاشات المستنيرة. أحياناً يكون بسبب سيطرة أيدلوجية / فئة وأحياناً بسبب اختيار الصمت أو الخشية أو المجاملة وأحياناً كجزء من الكسل العلمي. أياً يكن السبب، البحث يعني الإتيان بأفكار جديدة يتم اختيارها، فلا بد أن يتاح ما يكفي من الحرية لطرح الأفكار المختلفة.
8 - تنامي الظواهر المتعلقة بالخوارق والغيبيات والسحر وغيرها مما يتعارض مع حقائق العلم بأنواعه. أحياناً، تكون الظواهر سبباً في حجب العلم وأحياناً ملاذاً بسبب غياب الوعي العلمي.
9 - الاستهتار بالنظريات والمخرجات العلمية المتفق عليها علمياً والتقليل من قيمتها وممن قام على إنتاجها.
10 - تصدي من لا يتحدثون وفق أسس علمية ومعلومات لها مصادرها العلمية الموثقة المشهد العام سواء الإعلامي أو الإداري أو الاجتماعي.
تلك مظاهر وهي تختلف من مجتمع / بيئة لأخرى، وبالتالي صعب إطلاق أحكام عامة، سلباً وإيجاباً. نحتاج البحث في الموضوع، هل ينمو المزاج العام ضد العلم أم العكس؟ نحتاج تحول التعليم إلى إدراك وسلوك وممارسة لمبادئ وأسس العلم والتعلم وليس مجرد الحصول على الشهادات. نحتاج تطبيق الممارسات العلمية قدر المستطاع في مختلف الجوانب، المهنية والإدارية والوظيفية والاجتماعية وغيرها.