د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
نادرة وثمينة هي «الغاط» تُزهرُ بأطواق من الحكايات الفاخرة؛ مبهرة بجمال واحات نخيلها حين يعانقها ضوء الشمس، فمشاهدة الطبيعة في محافظة الغاط طقوس وشروط خاصة! والأماكن في الغاط وثائق تاريخية ذات إشارات ومؤشرات وخرائط وجدانية تسمح بأنواع من المقاربات والمقارنات المخضلة بالبريق الذي ينقلنا من دراما المكان إلى شوق للعناق السنوي الذي يتباهى في منتدى السيدة منيرة بنت محمد الملحم لخدمة المجتمع؛ حيث عُقد المنتدى الأول عام 2008م وتوالت مراكب من المنتديات التي دائما ما تحتضن المجتمع والأسرة في وداد غزير لا ينتهي! ففي منائر الدورة 17 للمنتدى كانت رحلتنا من الرياض إلى محافظة الغاط في العشرين من شهر نوفمبر الماضي 2024 وصحِبَنَا وقتٌ جميل سَرَقنا؛ بل نحن سرقناهُ؟! ففي الطريق انهمكنا في كثير من الحوارات فبسطناها حتى نضجت وغدتْ ذاتَ مذاق حلو! وبعد سويعات دلفنا محافظة الغاط الجميلة ومكتبة منيرة الملحم في مبنى دار الرحمانية ومازالت آثار طلّ الفجر في ذلك الصباح تقبّلُ الجدران الخارجية لدار الرحمانية فتندى! فيا لروعة المكان الذي توج فائزا بجائزة ميثاق الملك سلمان للتميز العمراني.. هناك حطَّ بنا المسير في القاعة الوقورة التي يقام فيها المنتدى السنوي منذ البدايات حتى هذا الزمن في دورته 17..
وهناك في قاعة المنتدى تصطف فتيات (الغاط) احتفاء بالمنتدى لينظمّنَ الجلوس في القاعة المنظمة! فتزدان جمالا ويظهر موضوع المنتدى (17) مشرقا في عروض تتوهج (صحة المرأة النفسية وجودة الحياة) حقيقة، لم تغب المرأة يوما عن ساحة المشهد في منتديات منيرة الملحم لخدمة المجتمع في كل دوراتها حتى هذه الدورة (17) فما زالت المرأة بطلة الطروحات وأوراق العمل! وهذا الاهتمام بالمرأة السعودية وحضورها المؤطر في الحراك الوطني كان منهجا وإطار عمل لمؤسس تلك الكيانات التنويرية في الجوف والغاط الأمير عبدالرحمن بن أحمد السديري -رحمه الله- الذي أسس للمرأة متكآت نهوض حضاري إيمانا منه -رحمه الله- بالقدرة والاقتدار عند المرأة أسوة بالرجل؛ ففي مركز عبدالرحمن السديري الثقافي في الجوف كانت غِزارا فامتدت وربت إلى محافظة الغاط، ومن ثم قُطفتْ ثمارها على مستوى الوطن الكبير! وفي منتدى منيرة الملحم 17 ينعش الموضوع أثير رؤية بلادنا العملاقة 2030 حيث التوجه المؤسسي والمجتمعي نحو تحقيق جودة الحياة التي تزهر من خلالها المكتسبات المجتمعية والمهنية والمالية في إهاب كل أسرة بكل تشكيلاتها التي تتصدرها المرأة؛ وفي ظل تلك المعطيات استهدف المنتدى جوانب مهمة تأطرتْ في كلمة مساعدة المدير العام الأستاذة الدكتورة مشاعل السديري في افتتاح المنتدى لهذا العام وتضمنت مستهدفات الموضوع برفع مستوى الوعي بالصحة النفسية وتحسين الممارسات الصحية وتعزيز قدرات المرأة والمجتمع نحو الوصول إلى جودة الحياة وتعزيز الجوانب التوعوية الموجهة للمرأة في جوانب الصحة النفسية، إضافة إلى تعزيز المعرفة والممارسات الصحية للرعاية النفسية للمرأة، والمستهدف الأهم هو اقتراح الحلول المناسبة لمواجهة التحديات التي تسهم في زرع الصحة النفسية السوية التي تنشدها المرأة!
ولقد شرعتْ المتحدثات، وهن نخبة من الأكاديميات الباحثات المتخصصات في طرح أوراق العمل ذات الصلة بالموضوع؛ ومن منطلق إيمان المتحدثات في جلسات المنتدى بالدور الحيوي المؤثر لحيازة الصحة النفسية عند الأفراد والمجتمعات.. حيث إن غياب الاضطرابات النفسية لا يعني الوصول للصحة النفسية من منظورها الواسع إنما هي شعور يتجلّى بالطمأنينة والاستقرار العاطفي ومن ثمَّ القدرة على التعامل مع التحديات بأسلوب فعال، وأن تتكئ كل علاقات المرأة على اليقين النفسي الذي هو أحد أهم المنطلقات لبناء علاقات ندية وسليمة؛ وذلكم التفاعل في العلاقات كما أشارت الدراسات تشرق له جودة الحياة بإذن الله، والمتحدثات القديرات في المنتدى (17) على وعي تام بكل أحاديث النساء عن صحتهن النفسية فالموضوع ليس بدعا، وقد اعشوشب الحديث عنه على بساط المتحدثات ذوات الاختصاص والكفاءة فصار محكما من منظور علمي وبحوثٍ وأبحاثٍ رُصدتْ حول صحة المرأة النفسية فكانت الاستدلالات من قبل المتحدثات الفضليات وفيرة مقنعة تتوشحها تباشير خير عن المنصات الوطنية القائمة التي تُعنى بالصحة النفسية في عمومها، مثل (المركز الوطني لتعزيز الصحة النفسية) وقد حظي المركز بوافر من حفاوة منتدى منيرة الملحم فكانت لمديره العام الدكتور عبدلحميد الحبيب كلمة مصورة لقيت استحسانا من الحضور المباشر ومن الجمهور المتلقي عن بعد ممن تابعوا فعاليات المنتدى وأوراق العمل عبر وسائل التواصل الرقمية، ومشاهدة البث وقد وصلت أعداد المتابعين حضوريا وعن بعد عبر وسائل التواصل الأخرى ما يتجاوز 40 ألف مستفيد في المنتدى 17؛ كما حظيتْ المرأة باحتفاء آخر ممنهج من مركز الأمير عبدالرحمن السديري الثقافي حين تم توقيع مذكرة تفاهم في مجال التثقيف والتوعية بالصحة النفسية بين مركز الأمير عبدالرحمن السديري الثقافي والمركز الوطني لتعزيز الصحة النفسية والمذكرة لمستهدفات عليا تبناها مركز السديري الثقافي يتصدرها تنفيذ برامج توعوية وتثقيف لنشر المعرفة حول الصحة النفسية في كل من الجوف والغاط..
كما صاحب المنتدى إطلاق مبادرتين في مجال الصحة النفسية لدعم مخرجات المنتدى وتوصياته تتمثل في مبادرة (حياة متوازنة) التي تشمل سلسلة من المحاضرات ومبادرة (أسرة متلاحمة) وتتضمن سلسلة من اللقاءات المؤطرة في المجال وفي ثنايا المنتدى وفي فضاءات المكان الرحيب نُفذت ورشتا عمل (الصحة النفسية للمرأة) و(التوازن النفسي في حياة المرأة العاملة.
وختاما، فإن الموضوع كان محفزا صاحبه تنوع في أساليب الطرح، وثراء في البحوث والأوراق العلمية، وتوصيات تحيط المرأة السعودية بواقع جميل، ومن ذلك أن التوازن المطلوب لتحقيق جودة الحياة في الوسط المجتمعي الذي يتشكل من الأسرة يحتاج حتما إلى اتفاق ضمني مشترك لتحقيق الاستقرار النفسي لتكون مصدر تآلف منشود للمرأة ومن ثم للمجتمع بأسره الذي يتشكل منه الوطن الغالي الكبير. وأينعَ منتدى السيدة منيرة الملحم رحمها الله فاقتربتْ الرؤى واستدارتْ الزوايا واختتمتْ مراكب منتدى منيرة الملحم لخدمة المجتمع في دورته 17؛ فحملتْ وهج المنتدى وموضوعه اللافت هذا العام مصفوفة داعمة من التوصيات تهادتْ نحو المرأة واصطفت لتشكل مفهوما راقيا لجودة الحياة وتصب في تعزيز ثقافة الاهتمام بالصحة النفسية كجزء أساس من الحياة اليومية وتعزيز سياسات العمل التي تدعم تحقيق التوازن في حياة المرأة، ومن ثم تطوير القوانين والأنظمة ومراجعتها بشكل مستمر بما يحقق الاستقرار النفسي للمرأة، وتكثيف جهود التوعية في مجال الصحة النفسية للمرأة منذ مراحل مبكرة من حياة المراة وإنشاء برامج شاملة تستهدف تحسين جودة الخدمات النفسية المتاحة وضمان سهولة وشمولية الوصول إليها، وتوفير مصادرالدعم المجتمعية؛ كإنشاء مساحات آمنة للدعم المجتمعي بأن يكون للعيادات الافتراضية وجود وحضور فاعل في مجتمعات النساء لتقديم خدمات الرعاية الصحية النفسية..
وختاماً، فإن منتديات منيرة الملحم لخدمة المجتمع في محافظة الغاط هي الأكثر بروزاً في شعور النساء حيث تدور تحريات المواضيع نحو المجتمع لتحقيق الأمن والسلام والاستقرار النفسي، ومن ثم تنطلق قوافل الحضارات وما أطيب الرُّبا!!