أجرى الحوار - عوض مانع القحطاني:
الأستاذة حصة بنت عبدالله بن صالح آل الشيخ واحدة من النساء اللاتي خدمن الوطن بكل إخلاص وتفانٍ، لها باع طويل في مجال العمل التطوعي والخيري والإنساني فهي الموجهة التربوية والمشرفة على معاهد التربية الخاصة بوزارة التعليم، والمشرفة على برامج التدريب المهني لهذه الفئة خاصة بالتعوق بمؤسسة التدريب المهني سابقاً، وهي كذلك الأمينة العامة لجائزة الشيخ محمد بن صالح بن سلطان للتفوق العلمي والإبداعي في التربية الخاصة حالياً.
«الجزيرة» تلتقي بها للحديث حول تجربتها مع الفئات الخاصة وحول رؤيتها لعدد من القضايا، فماذا قالت لنا:
* أين كانت النشأة؟
- نشأت وتربيت في مدينة الرياض حيث حرصت الأسرة على تعليمنا وتربيتنا تربية صالحة، وقد كنا عند حسن ظنهم، والدي رحمه الله يحب العلم، وكان يتابعني في حياتي الدراسية حتى المرحلة الجامعية، والوالدة لا زالت على قيد الحياة، فكانت تحرص على تربيتنا ووجهتنا للوجهة الصحيحة.
* كيف كانت مرحلة التعليم؟
- درست المرحلة الابتدائية في مدرسة مجاورة لمنزلنا في مدينة الرياض في حي دخنة ثم واصلت تعليمي المرحلة المتوسطة ثم الثانوية العامة وكانت تقديراتي في الدراسة بتفوق وبعد ذلك اتجهت إلى الجامعة وحصلت على درجة البكالوريوس خدمة اجتماعية.
* هل واجهت أية مصاعب في مراحل الدراسة؟
- أبداً كنت حريصة على دراستي وحل واجباتي وكنت مستمعة جيدة للمحاضرات داخل الفصل وعدم الغياب عن الدراسة فلم تواجهني أية مصاعب.
* كيف التحقتِ بالعمل بعد حصولك على الشهادة الجامعية؟
- بعد تخرجي من الجامعة تعينت مشرفة اجتماعية بمعهد النور للكفيفات بالرياض لمدة 16عاماً ثم مشرفة تربوية لمعاهد التربية الخاصة بالمملكة 13عاماً ثم مديرة قسم تعليم الصم في المعهد التقني بالرياض عام واحد وتدرجت في عدة مناصب في التربية الخاصة، ثم بعدها أمين عام لجائزة التربية الخاصة 20 عاماً وهي خدمة كرست جهدي فيها لخدمة هذه الفئة.
* مضيتي 40 عاماً في مجال التربية الخاصة.. ماذا أضاف لك هذا العمل وهل واجهتك مصاعب؟
- هذه الرحلة الطويلة في مجال العمل مع الفئات الخاصة أضافت لي الشيء الكثير في حياتي لأنه خلال دراستي الجامعية، وأثناء التدريب الميداني كانت بدايتي مع ذوي الاحتياجات الخاصة، وبقربي منهم شعرت خلال زيارتي للمعهد بارتباط وثيق مع الكفيفات، وكنت أتواصل معهن بسهولة وأريحية، وألمس منهن بسهولة وأريحية الشيء ذاته فكانت هذه البذرة هي ما دفعني لاختيار العمل في المعهد كمشرفة اجتماعية، ومنذ بدأت العمل معهن وجدت أن ذلك الشعور المبدئي أصبح واقعا ألمسه كل يوم يضمني فيه ذلك المعهد معين، وكنت أشعر أني معهن وبينهن جزءا منهن أخت ولست مشرفة اجتماعية.
أما أهم ما أضافته لي فهو الإيمان بأن الصبر والإصرار هو السبيل إلى النجاح، وأن لا شيء مستحيل بالاتكال على الله والعمل الدؤوب نحو تحقيقه، وكنت أراهن أمامي وقد حرمن من نعمة البصر، وكن حريصات على طلب العلم، ويحضرن للمعهد من أماكن بعيدة ويتكبدن المشاق ويتحدين الصعاب، يتغرب بعضهن عن أهلهن ويتحملن كل ذلك وينظرن للحياة بعين الرضا وروح الأمل.
* خلال عملك في الميدان مع هذه الفئة.. كيف كانت تجربتك مع هؤلاء المعاقين؟
- مهما تكن التجربة بالعمل في الميدان غنية؛ فهي تظل أداء للواجب، بل كان لنا شرف العمل في خدمة فئة غالية اخترنا العمل معها، نحو وطن معطاء قدم لنا الكثير، لذا أقول: إن كل عمل أديناه خلال هذه السنوات لا يتعدى كونه واجباً، ولكننا نعتز ونسعد بمكتسبات منها علاقات ود ومحبة ربطتنا بعدد كبير من ذوي الاحتياجات الخاصة بنين وبنات، وظلت مستمرة لسنوات ومعها علاقات ثقة وتعاون بأسرهم وذويهم، وسعدت كثيرا بأن ربطني ميدان العمل التربوي، وأضافوا لي الكثير، وأتمنى أن يكون لي في ذاكرتهم أثر طيب.
* ماذا عن عملك كأمين عام لجائزة محمد بن سلطان للتفوق والابداع في التربية الخاصة؟
- إذا كانت هناك بصمة لي في هذه المسيرة فإنها طيلة 20 عاما في العمل في جائزة الشيخ محمد بن صالح بن سلطان والتي تحتفل كل عام بتكريم المتفوقين والمبدعين من أولاد وبنات من الفئات الخاصة على مستوى المملكة، والذين أبدعوا بمواهبهم وهذه الجائزة أعتز بأنها كانت من أفكاري وتأسيسي ومتابعتي وبدعم من أصحاب الشأن من أبناء محمد بن صالح بن سلطان، رحمه الله، هذه الجائزة لها سنابل خير على أصحاب ذوي الاحتياجات الخاصة.
* كيف كانت بداياتك مع الكفيفات.. وماذا قدمتِ لهن؟
- لبداياتي مع الكفيفات وقوة ارتباطي بهن دور في ميلاد مشروع أعتز كثيراً بوجوده على أرض الواقع وهو مشروع طباعة شروح القطع والمعروضات الأثرية في المتحف الوطني بطريقة برايل للمكفوفين، ذلك المشروع الذي طرحته فكرة ومن ثم وقفت على تنفيذه بتعاون رائع من الزميلات المعلمات الكفيفات اللاتي قمن بتحويل المشروع إلى طريقة برايل، ومن ثم وثق واعتمد من قبل إدارة المتحف الوطني، وهذا العمل نتاج تعاون مثمر بين وزارة التربية والتعليم وإدارة المتحف الوطني، ومن الإنجازات التي أعتز بها خلال فترة عملي القصيرة في المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني تبرعي بإنشاء قسم خاص بالمراجع والدوريات والمواد السمعية والبصرية والبحوث المتعلقة بذوي العوق والتربية الخاصة، وذلك في مكتبة المعهد العالي التقني للبنات بالرياض، كذلك عملت على دليل المرشد الخاص بذوي الاحتياجات الخاصة بالاشتراك بيني وبين الزميل بدل البهلال وهو معلم تربية خاصة، وحاولنا من خلاله أن نضع بين يدي ذوي الاحتياجات الخاصة وأسرهم والمهتمين بهم دليلا لكل الخدمات المهمة لهم ومزودي تلك الخدمات، بهدف تسهيل الوصول إليها، وقد ساهمت فيه جائزة الشيخ محمد بن صالح بن سلطان.
* كيف تصفين العمل التربوي والخيري والتطوعي ومدى نجاحاتك فيه؟
- التكامل والتعاون هو سبب النجاح، ولو نظرنا لسنة الله في الحياة لوجدنا أن كل أمر أو عمل لا يمكن أن يقوم على فرد دون جماعة، ونحن البشر لا يمكن أن نحقق أي إنجاز فردي، ومن يدعي ذلك فهو منكر الحقيقة لا يمكن أن يثبت عكسها .. كل منا بحاجة لمن يتعاون معه ويساهم معه في النجاح، وتلك المساهمة قد تأتي بصور ودرجات مختلفة، والأمر بالنسبة للمرأة أهم وأكبرا فالمرأة وإن أدت في مجتمعها أدوارا مختلفة خارج المنزل فإنها تظل قائمة بدورها الأكبر داخله، وهذا يحتاج منها التنسيق بين الأمرين، وذلك يتطلب وجود عوامل عدة لعل أهمها تعاون ومساندة أسرتها داخل المنزل وتعاون وتكامل أفراد العمل خارجه.
ولقد حظيت خلال مسيرتي المهنية والتطوعية بعدد من الزملاء والزميلات ممن كانوا مشاركين في عديد من النجاحات والإنجازات، وكان لهم تأثير مهم في مسيرتي المهنية، ويظل الدور الأكبر والأهم هو الأفراد أسرتي الذين كانوا داعمين لي خلال هذه المسيرة وسببا في نجاحاتي داخل المنزل وخارجه، ولعل أهم وأول المساندين لي هو زوجي الذي كان رفيق دربي وخطوت أولى خطواتي في حياتي المهنية والأسرية، وأنا ممسكة بيده التي ثبتت خطواتي على أرض صلبة، واستفدت كثيرا من خبرته ومشورته، وأتمنى من كل زوجين أن يكون كل منهما داعما ورفيقا بمعنى الكلمة لنصفه الآخر، وهذا هو سبيل نجاح المجتمع.
* كيف تنظرين إلى إتاحة الفرصة للمرأة السعودية للانضمام للعمل في قطاعات الدولة المختلفة؟
- لقد منح قائدنا الملك سلمان -حفظه الله- وعرّاب الرؤية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان المرأة حقوقها أن تعمل وتشارك في بناء هذا الوطن وتم منح المرأة الفرصة لخدمة دينها ووطنها، ولعل دخول المرأة لمجلس الشورى أحد أهم تلك القفزات من ملوك هذه البلاد. والمرأة السعودية كانت وستظل تقتدي بأمهات المؤمنين وتسعى للعمل والمشاركة في ظل تلك الشرعية التي سارت عليها الصحابيات والتابعيات، فوضعن أمامنا في التاريخ بصمة ظلت شاهدا على أن الضوابط الشرعية المتأصلة ليست عائقاً للتقدم والعمل والنجاح، ولكنها على العكس صمام الأمان الذي يحفظ للمرأة كرامتها ويضمن لها أمانها وحقوقها.
* كيف ترين العمل الخيري والتطوعي في المملكة؟
- من يدخل مجال العمل التطوعي أو الخيري يأتي ونصب عينيه أنه يسير في درب ذي اتجاه واحد كالنهر يتدفق في اتجاه لا يغيره.. والعمل الخيري هو نهر للعطاء ويسير بالعاملين فيه نحو خدمة الآخرين، وتنعش فيه القلوب فتبعث فيها السعادة وتضيء دروب حياتنا وتمنح للحياة قيمة أسمى. ونحن نلاحظ أن هناك اقبالا كبيرا على العمل التطوعي والخيري في بلادنا.. بلاد الحرمين الشريفين وهو يسير في الطريق الصحيح.
* كيف تنظرين إلى رؤية المملكة؟
- رؤية المملكة أبهرت العالم وأصبحت خارطة طريق لنا في هذه البلاد نسير عليها وهي بلاشك فيها خير كثير لهذا الوطن وأهله، وهناك جهود بذلها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان الذي يعمل ليلاً ونهاراً من أجل رفعة هذا الوطن.
* كيف تنظرين إلى مستقبل السياحة في المملكة؟
- لدينا من الطبيعة ومن الصحاري والجبال والبحار والمعالم الأثرية ما يجعلنا نتجه لهذه الأماكن وبلدنا يختلف عن كثير من بلدان العالم وأهم شيء هو وجود الأمن والأمان، والسياحة في المملكة لها مستقبل، ولكنها تحتاج إلى المزيد من التطوير خاصة الأماكن السياحية، كذلك تكثيف الرحلات الداخلية لمطارات الأماكن السياحية والأثرية.
* بعد التقاعد.. هل يوجد لديك برنامج يومي تمارسين فيه نشاطا معينا ؟
- أبداً لا يوجد لدي برنامج معين. لدي أولوية وهي أن أقضي معظم الأوقات مع أسرتي وزيارة والدتي شبه يومي.
* أين تجدين المتعة بعد التقاعد؟
- وجدتها في ممارسة العمل الحر وزيارة الأقارب، وبعد التقاعد هناك فرصة لزيارة مناطق المملكة خاصة السياحية والأثرية.
* هل تؤيدين الاستفادة من خبرات المتقاعدين؟
- نعم، وبقوة خاصة ممن يملكون خبرة منهم عاصروا أعمال الدولة، وهم إضافة وخبرة جديدة للأجيال القادمة.
* أثناء عملك.. هل اتخذتِ قرارا وندمتِ عليه؟
- لا يوجد ولله الحمد، أنني اتخذت قرارا وندمت عليه طيلة عملي في المجال التربوي والخيري بكل ما قدمته افتخر به.
* ما هو الشيء الذي تمنيتِ أنك حققتيه قبل التقاعد؟
- تمنيت قبل التقاعد أن أتوسع في تقديم الخدمات لذوي الدمج في المدارس العادية والعمل على تطوير هذه البرامج بما يحقق من أهداف دمج طلاب التربية الخاصة مع الطلاب الأسوياء.
* ماذا أعطاكِ الوطن؟
- الوطن أعطاني الكثير، ومهما قدمنا لوطننا وقيادتنا فلن نوفيهم حقهم.
* من هو مثلك الأعلى؟
- مثلي الأعلى هو والدي - رحمه الله- ووالدتي، عسى عمرها يطول في صحة وعافية هما من ربياني وعلماني وزوجي الذي وقف بجانبي.