حمد عبد الرحمن المانع
رضا الإنسان عن نفسه يتطلب تحقيق المستوى المؤهل لذلك وبالتالي فإن اجتياز الاختبار يجب أن يكون أهلا له من خلال الأريحية والتواضع، اتقان التعامل مع الدوافع فعل ما يليق وحسن النية خير مطية وتنقية النفس من كل خطيئة، ظلم الإنسان لنفسه يبدد الحسنات ويهدر الطاقات وهو سلوك لا يناسب المؤمن الصادق، بل إنه يصيب سلامة القلب في مقتل، في حين أن حجم هذا الحمل على النفس يثقل كاهل المشاعر ويسهم في تمكين التوتر والدخول في تفاصيل حياة الفرد وتكبيله روحيا ومعنويا، ومن ثم فإن ذلك لا يلبث أن يضعف الثقة بالنفس كنتيجة حتمية لضعف الثقة بالمولى جل في علاه.
كم نحن بحاجة ماسة للمصالحة مع الذّات لتغذي شرايين القلب بالمحبة والرفق واللين والتسامح وضخ المزيد من المعاني القيمة الجميلة لاسترداد الثقة التي يسلبها الشيطان على حين غرة، فكم هي غنية هذه النفس وكم حباها المولى تبارك وتعالى من مزايا فائقة واحتواء هذا المزيج مقرونة بالنوايا، إذ تجد صفات متضادة من حيث القياس والتأثير ولكل صفة قراءة وتفسير، ولم يكن من يمثلها من يدين وقدمين ولسان وشفتين إلا رهناً للتعبير، فيها الجمال والقبح فيها القسوة واللين فيها الحب والكراهية، وسلامة الطريق تكمن في الثقة بالمولى العزيز القدير ثم حسن التدبير وسلامة التقدير.
الطريق متاح للعبور نحو غلظة وسماحة نحو تصويب وانتكاسة نحو ظلم أو عدالة نحو ليل حالك أو نهار ساطع، فلكل شيء مسبباته وطبيعة الإحساس بالشيء تحكمه الدوافع، الحزن والفرح كل له مسبباته وظروفه ومعطياته، بيد أن تقييم التأثير لمفهوم الربح والخسارة يترجمه الاستيعاب المتقن وحسن اختيار العبارة، فالكل يسعى للكسب وتجنب الخسارة وسلطة القرار في قبضة النفس الأمارة.
حينما يتقابل اثنان من أي جنس ولون وفي أي أقطار الكون يتلقى العقل الإشارة بواسطة العين، وبلمح البصر تتشكل الرؤية معززة بالانطباع من النفس مصدر الإبداع، إذ تفيض السماحة نبلاً ويصنع الاحترام فكرا؛ ليعكس التسامح محتوى الثقافة، فالخير والشر صفتان والميل لأحد الأطراف يجسده نوعية الاستقاء وما يفيض به الوعاء من نقاء وصفاء من قسوة وجفاء وفقاً لكل نفس وما تكسب، فدرء الشر بالخير أجدى والاقتداء بالفطرة السليمة أحرى، وراحة النفس مرهونة بصحوة الضمير حينما يفيض صفاء النبع بالرضا ونقاء السريرة في اطمئنان وسكينة. فسبحان من خلق النفس وألهمها الفجور والتقوى وديدن المؤمن الصادق في عمل ما يحب ربنا ويرضى، ما برحت ملوثات الفكر تصول وتجول وتعبث بالمشاعر ولا تتهاون في الصد عن سبيل الله، طريق السلامة في اليقين سر السعادة والاستقرار ومسلك الأخيار ما تعاقب الليل والنهار بمشيئة العزيز الجبار، هو القيمة القيمة والدرجة العالية الرفيعة حينما يسوق الرزانة والرصانة كعناوين مؤثرة في سياق التعقل والتدبر متألقاً كأنه البدر يضيء كل ليلة ويسطع في سماء المودة، ويزداد ضياؤه لمعاناً وبريقاً كلما همس اللسان بكلمة جميلة رقيقة، وكلما تم غض الطرف عن تجاوزات طفيفة حينها يسجل الاتزان حضوره في حلة بهية من الترفع والنقاء.
جاء رجل إلى عمر بن عبيد وقال له إني أرحمك مما يقول الناس فيك، فقال أسمعتني أقول فيهم شيئاً؟ قال لا، قال إياهم فارحم، تأملوا الرقي وسمو النفس وكيف كان القياس الدقيق لمعيار الكسب والخسارة، فلم يغضب ولم يتشنج، إنه اليقين بأن ذلك إنما يحسب له، إنه الاعتناء بالإحساس والحرص على صيانته وعلى جماله وروعته، فحري بنا أن نمسك بالهدوء قبل أن يفلتنا، ونكبح جماح النفس قبل أن تهلكنا، نزيد في الخير نستشعر قبل أن نقرر ونتدبر قبل أن نتهور، وليكن شعارنا العفو والتسامح يسبق المعذرة.
قال الإمام الشافعي - رحمه الله:
وتضيقُ دنيانـا فنَحسبُ أنّنا
سنموتُ يأساً أو نموتُ نحيبا
وإذا بلُطفِ الله يَهطلُ فجــأةً
يُرْبِي من اليَبَسِ الفُتاتِ قلوبا
قُل للذي مَلأ التشاؤمُ قلبَه
ومضى يُضيِّقُ حولنا الآفاقـا
سرُّ السعادة حسنُ ظنك بالذي
خلق الحياةَ وقسَّم.. الأرزاقا