اللواء الركن م. سلامة بن هذال بن سعيدان
إن الجوهر والمظهر بالنسبة للإنسان بينهما تلازم وتخادم يستدعيان الاهتمام بكل منهما، مع إعطاء الأولوية للأول باعتبار الاهتمام به يشكل الأساس الذي ينطلق منه الثاني، حيث إن الفطرة السوية والكينونة النقية يعود إليهما الفضل في انعكاس الداخل على الخارج، وتأثير الصفات الإنسانية والقيم الروحية التي يتكون منها الجوهر على المظهر بصورة تضبط العلاقة الصحيحة بين الشكل والمضمون، ويمكن بموجبها الاستدلال بالظاهر على الباطن.
جوهر الإنسان يظهر في سلامة سلوكه واستقامة مسلكه من خلال ما يتحلى به من صفات إنسانية وخصائص خُلقية ونفسية، وما يمتلك من القدرات الذهنية والعلمية والخبرات النظرية والعملية، وكل ما من شأنه تحديد شخصيته وطريقة تعامله مع الآخرين ومدى انضباطه والتزامه بالقيم والمبادئ والأخلاقيات، وفي مقدمتها الدين والفضائل الإنسانية ومكارم الأخلاق. مظهر المرء يمثل كل ما يتصف به من صفات جسمية وما يمتلكه من أشياء ويشغله من وظائف، وهو مقصور على الشكل والملكية دون أن يكون له صلة مباشرة بالمضمون والكينونة الذاتية، والاهتمام بالمظهر مطلوب، والأمر المرفوض هو الإمعان في الماديات والمبالغة في الشكليات على حساب الجوهر.
اللسان والعقل وما يقابلهما من القول الذي يدل على العلم والفعل الذي يدل على العقل وعلاقة القلب بقول اللسان وعمل الجوارح، كل هذه المفاهيم ذات البناء المركب وما تذهب إليه من حيثيات بعيدة وتنطوي عليه من مدلولات ظاهرة ومستترة، تضع جوهر الإنسان على المحك ومظهره في المعترك.
فالأصل في الإنسان جوهره والمظهر يبنى عليه، إذ إن جمال المظهر يزول مع تقادم الزمن في حين يبقى جمال الجوهر المتعلق بالقلب والعقل والمتأصل في الفكر والمنطق، وهو الذي يعكس روح الشخصية وكينونتها وقد كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يدعو إلى جمال الباطن بجمال الظاهر عندما قال لجرير بن عبدالله البجيلي: (أنت أمرؤ حسن الله خَلقكَ فأحسن خُلقُك).
ونقاء السريرة من الشوائب وخلو السيرة من المثالب هو الجوهر الحقيقي الذي يجمع بين المروءة وأدب النفس وأدب الدرس تحت مظلة التقوى، قال الله سبحانه وتعالى: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)، وقال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم)، وقد سأل أحدهم عمر بن عبدالعزيز عن التقوى فقال له: إذا وضع المرء جميع ما في قلبه من الخواطر في طبق وطاف به في السوق لم يستح من شيء منه.
وعندما يكون داخل المرء جميلاً فإن الجمال ينعكس على خارجه بفضل النور الداخلي الذي ينبعث من الجوهر إلى المظهر باعتبار جمال المضمون يكون له الأثر على الشكل، وقد قال شكسبير: الجمال إحساس عقلي وشعور وجداني، وقال آخر: الجمال بلا فضيلة كالزهر بلا عبير، وقال الشاعر:
ليس الجمال بأثواب تزينُنا
إن الجمال جمال العلم والادب
وقال آخر:
فجمال الجسم يفنى
مثل ما تفنى الزهور
وجمال النفس يبقى
زاهراً مرَّ الدهور
وتأسيساً على ذلك يتعين على المرء أن يعتني بمقومات مظهره الخارجي من حيث مكونات هيئته وممتلكاته وما يتحمل من وظائف اجتماعية دون أن يكون ذلك على حساب جوهره الذي هو الأصل والمصدر لكل الإنجازات الداخلية والخارجية، آخذاً في الحسبان أن ما يحدث على السطح الخارجي من إنجازات ما هو إلا ترجمة وانعكاس للعمل الداخلي النابع من الكينونة والجوهر.
كما أن ضعف الوازع الديني ومركبات النقص والتقليد الأعمى والأثرة والتنافس غير الشريف والأفكار الوافدة والفلسفة الغربية المستوردة، كل هذه العوامل ترتب عليها إهمال الجوهر والاهتمام بالمظهر إلى الحد الذي جعل البعض يضحي بالفضائل الإنسانية والقيم الروحية والمبادئ المرعية من أجل مطامع مادية دونيِّة ومظاهر شكلية عبثيَّة.
ومن عرف نفسه عرف كيف يسوسها والاعتراف بالنعمة يعني شكرها لا بطرها والاهتمام بالملبس والمسكن والمركب والمحافظة على المظهر الحسن وتأدية ما لهذا المظهر من حقوق وما عليه من استحقاقات يدخل في هذا المفهوم، بعيداً عن الممارسات المنكرة والبحث عن الشهرة والألقاب المزورة.
ولا غنى عن مراعاة تأثير وسائل الإعلام والبحث عن القبول والأوضاع الاجتماعية ذات الصلة بالمظهر ، ولكن ليست مبرراً مقبولاً للاهتمام بالمظهر أكثر من الجوهر، ومواقع التواصل الاجتماعي والأجهزة الذكية كشفت سوءات المترفين والمتخلفين الذين عندهم الغاية تبرر الوسيلة.
إن شرف الرجل وجماله في دينه وطيب معدنه وخدمة وطنه وإنسانيته وكرم أخلاقه وعلمه وعقله وحسن تدبيره في الحياة، ويرفعه أكبراه: همته ونفسه، ويعلو به اصغراه: قلبه ولسانه، أما جمال الملبس وترف المال والتنعم به فمن حظ الأدنياء من الرجال والنساء، والرجل الذي يكون شغله الشاغل في لباسه وعطره أبعد ما يكون عن الرجولة، وماذا تعنيه كلمة الجوهر والمظهر.