عبدالله إبراهيم الكعيد
هل بقي شيء من أخلاق يمكن فيها ستر عورات تُجار الأزمات؟ سؤال ورد إلى ذهني وأنا أستعرض أبرز أحداث العالم خلال هذا العام الذي يكاد أن ينصرم. لا أعني تُجار الحُروب وبارونات تجارة الأسلحة ولا الساسة الذين يُشعل بعضهم نيران الحروب من أجل مصالح بعضها مُعلن وأغلبها خفي، ولا تلك الأيدي الخفيّة التي تلبس قفازات ظاهرها حرير وباطنها مخالب ذئاب، مهمتها النفخ في رماد الحرب كلما خبت نارها.
أعني فئة تقتات على وقوع الأزمات مثل الأوبئة، ارتفاع أسعار الغذاء، حدوث زلازل، تسونامي، انهيار مباني، فيضانات، جفاف، مجاعات، إلى آخر تلك القائمة القاتمة.
تلك الفئة التي أعنيها في حكاية اليوم منحها البعض ثقة في نقل وتحليل الذي يحدث. يصغون إليهم، يسمعون لهم، وقد يصدقونهم فيما يقولون. مسؤولية الحكومات والمنظمات الإغاثية الإسراع بالتدخل في الساعات الأولى من قوع الأزمة أو الكارثة.
يتم إرسال فرق الإنقاذ ويليها المواد الإغاثية من أدوية وأغذية وملاذات آمنة، وقتها يصبح الكل في شغل شاغل بكيفية احتواء المتضررين وقتها.
لكن...
يخرج من بين أنقاض أي أزمة أو كارثة رؤوس افاعٍ تقتات على مآسيها، في حقيقتهم قد لا تعنيهم تلك الأوجاع ولا المآلات الكارثية بقدر ما يعنيهم التكسب من الحديث عن وقوعها في وسائل الإعلام والمنصات الاتصالية. يُحللون وهم يتقلبون في أرائك الراحة بعيداً عما يحدث. وربما يوقظهم اتصال محطة أو قناة فضائية تدفع لهم بالعملات الصعبة كي تشتغل حناجرهم بما يتوافق مع توجه وسياسة المنصة الاتصالية، رغم أن المتلقي لما تبثه تلك القنوات يعرف مسبقاً ما ستقوله (هواتف العملة) كما يسميهم من يعرف حقيقتهم.
السؤال الذي ربما يدل بشكل مباشر على صلب حكاية اليوم: من منكم رأى أو سمع مثل هؤلاء (الجيف المتكلمة) وقت ازدهار الدول، وقت الأخبار المبشرة بالرخاء والنماء للشعوب. لماذا تخرس ألسنتهم وقت المبشرات وتلعلع وقت الأزمات؟ هل يجوز أن نطلق عليهم صفات ذلك الطائر المشؤوم الذي ينعق في الظلام حينما يكون الناس في مأمن في سربهم؟
أنتم تعرفون وأنا أعرف شخوصاً بأسمائهم تزدهر تجارتهم (الكلامية) وقت الحروب، إذ يقبضون بالعملة الصعبة لقاء ما يُملى عليهم ويتناسب مع أجندة المنصة التي تستضيفهم. نعم باتوا اليوم أشهر بتعاسة حضورهم أن يُشار إليهم بالاسم، فماركاتهم مسجلة في جباههم واهتزازات رؤوسهم وتوسلات الدولارات الخضراء التي تقطر مع (سعابيلهم) اللندنيّة.