م. بدر بن ناصر الحمدان
أسواق «اليورومارشيه» القابعة في أطراف حي المعذر الشمالي على شارع التخصصي بالعاصمة الرياض، والتي افتتحت في يناير 1981م، يجري إعادة إحياء تاريخها من قبل الملاك والمستثمرين كأحد المعالم المعاصرة التي شكلت جزءاً من ذاكرة السكان على مدى أكثر من أربعين عاماً مضت، وكانت مثالا حيا على المبنى (المُعاش) و(المسكون) بحكايات النساء والرجال والأطفال الذين رافقوه ورافقهم الرحلة منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم.
لقد قدمت هذه الأسواق في حينها المبادرة الأولى لمبدأ التسوق والترفيه في مكان واحد، وأتاحت لسكان المدينة خوض تجربة مختلفة وغير تقليدية أثرت في ثقافة المكان والإنسان، وعزّزت من قيم ممارستهم لسلوكيات جديدة في قضاء الوقت خارج المنزل، وأحدثت مساحة مغطاة لمفهوم المكان الثالث في فترة عمرانية لم تكن فيها العلاقة بين المباني والناس على ما يرام.
اليورومارشيه تبرهن مجدداً على أن التراث لم يعد يمثل الأمس فقط، بل اليوم وغداً، لقد سمح التعريف الأوسع والأكثر شمولاً للتراث اليوم بالاعتراف بالتراث المبني في العصر الحديث لقيمته التاريخية والثقافية؛ حيث تُعرِّف منظمة اليونسكو في تقريرها عن تحديد وتوثيق التراث الحديث (2003) بأنه «العمارة وتخطيط المدن وتصميم المناظر الطبيعية في القرنين التاسع عشر والعشرين» وتُعَد هذه الهياكل رمزًا لفترة ماضية، اتسمت بالتطور التكنولوجي والاجتماعي والاقتصادي.
مع تنامي الاهتمام العام بعمارة الناس الحيّة لعبت (الرابطة الدولية لتكنولوجيا الحفظ) التي تأسست عام 1969م دوراً محورياً لتحفيز هذه الجهود، وهي منظمة متعددة التخصصات مكرسة للترويج لأفضل التقنيات لحماية الهياكل التاريخية ومواقعها، وتعد أكبر منظمة مهنية في العالم تركز على نظرية وممارسة الحفاظ على البيئة المبنية الحالية والحفاظ عليها وتجديدها.
في بداية عام (2001)، أطلق مركز التراث العالمي التابع لـ(ليونسكو)، والمجلس الدولي للمعالم والمواقع (الايكوموس)، والمجموعة العاملة لتوثيق وحفظ المباني والمواقع والأحياء التي تنتمي إلى الحركة الحديثة (دكومومو) التي تم تأسيسها في عام 1988م برنامجاً مشتركاً لتحديد وتوثيق وتعزيز التراث المعماري للقرنين التاسع عشر والعشرين تحت اسم برنامج التراث الحديث .
وللحفاظ على مباني القرن العشرين ظهرت في وقت سابق الحاجة إلى ضرورة إحراز تقدم في ممارسة الحفاظ على العمارة الحديثة، وهذا ما دفع بمعهد (جيتي) للحفاظ إلى إطلاق مبادرة الحفاظ على العمارة الحديثة في عام 2012.
تشير العديد من الدراسات والأبحاث المنشورة إلى أنه مع مرور الوقت، سوف يرتفع تقدير الأماكن التي تعكس الوفرة والتنوع في العالم الحديث بشكل طبيعي، وسوف يشعر الناس بقيمة أكبر للمباني مع تقادمها وإستعادة ذكرياتهم معها، وبالارتياح لإنقاذها.