عبدالكريم بن دهام الدهام
ما أروع أن يصلك مثل هذا النبأ، الذي تلف له عنقك، وتهمس له مشاعرك، ويقشعر له جسمك، إنه من نوعية الأنباء، التي تشتاق لها الدنيا بأسرها، النبأ لا يصلنا هذه المرة من عندهم، بل يصلهم من عندنا، من وطن كبير في أحلامه وطموحاته، وطن شق طريقه بسرعة هائلة، وتقدَّم الصفوف، إنه «المملكة العربية السعودية» يعلن، بل يزف للعالم ببشرى هو في أشد الحاجة إليها، بوصولها لنجاح إجراء أول عملية زراعة قلب كاملة على مستوى العالم باستخدام الروبوت والتي أجريت في مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث في الرياض، وهو عبارة عن استخدام تقنيات الروبوت التي تتيح إجراء العملية بأقل تدخل جراحي ممكن، بدلاً من الممارسات الجراحية لزراعة القلب، من شق القفص الصدري، ولم تعلن المملكة عن هذا الإنجاز التاريخي الذي تحقق، إلا بعد أن تم تطبيقها افتراضياً سبع مرات متتالية خلال ثلاثة أيام للتثبت من نجاعة المنهجية المبتكرة، لذلك المريض من مدينة تبوك «ريان القبلي»، الذي لم يتجاوز الـ16 من العمر، وعانى من فشل القلب من الدرجة الرابعة، حيث استغرقت ثلاث ساعات، نفذها فريق طبي ، بقيادة استشاري جراحة القلب، ورئيس قسم جراحة القلب، الجراح السعودي الدكتور فراس خليل، عقب تحضيرات استمرت لأسابيع.
ولعل ذلك المنجز هو الذي حفز صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد على استقبال الفريق الطبي السعودي الذي نجح في إجراء تلك العملية، وأشاد بجهود الكفاءات السعودية وقدرتها على الابتكار وتحقيق سبق عالمي في المجال الطبي، بما يسهم في تعزيز صحة الإنسان في المملكة والعالم.
ولعل هذا المنجز السعودي الكبير يحمل في طياته الخير والصحة إلى كل شعوب العالم المتلهفة لطريقة عملية مثالية لاستئصال وزراعة القلب للمريض تقلل من الألم، وتختصر مدة التعافي، وتحد من احتمالات الإصابة بالمضاعفات، بدون شق القفص الصدري، كما أنه من شأنه أن يضع وطننا العظيم في مصاف الدول، التي تحاول جاهدة تحقيق قفزة نوعية في تحسين جودة حياة المرضى وتسريع استعادة صحتهم.
ولعل الذي يتتبع تاريخ المملكة الحافل في مدة زمنية قياسية، أو المتتبع لما تم إنجازه في مواجهة العلّات المرضية والأسقام الطارئة، لن يتفاجأ بهذا المنجز، لوطن يضع الإنسان والحفاظ على صحته من أولوياته، تحثه كل الوقت، على الابتكار في جميع اتجاهات الحياة، وطن هيأ أسباب العيش الهانئ لمواطنيه ومواطناته حتى يتفرغوا للعمل والبحث والعلم والاكتشاف، وطن لم يكتف بما حققه على الأرض، فذهب إلى الفضاء، حقاً «كفو يا السعودية».