د. زينب بنت حسين البدر
يتجه العالم الآن نحو المصادر المستدامة للطاقة من أجل الحفاظ على البيئة خصوصا أن استخدام الوقود التقليدي يتسبب في إطلاق الغازات الدفيئة مثل ثاني أكسيد الكربون مما يفاقم مشكلة الاحتباس الحراري ويتسبب في تغيير الأنظمة البيئية بل ويتعداها إلى تهديد الأمن الغذائي والصحة العامة(1). أنشطة البشر المتنوعة في المجالات المتعددة خصوصا الأنشطة المتعلقة بالصناعة والنقل والتجارة ساهمت في التدهور البيئي بشكل ملحوظ مما يتطلب حلولا بيئية وإستراتيجيات جديدة للمساهمة في التقليل من الانبعاثات الكربونية وخلق بيئة نظيفة. يعتبر الهيدروجين الأخضر حلا واعدا لمستقبل نظيف(2)؛ فهل يمكن أن يحقق الهيدروجين ذلك رغم التحديات التي تشمل التكلفة والتقنيات اللازمة لتصنيعه وتوفير البنية التحتية اللازمة لاستخدامه؟ في هذا المقال سنتناول بعضا من عيوب الوقود التقليدي وأفضلية الهيدروجين الأخضر كوقود رائد للمستقبل.
العرض:
الوقود التقليدي يشمل ثلاثة أنواع رئيسية وهي الفحم، النفط والغاز الطبيعي، والذي يتكون نتيجة تراكم بقايا الحيوانات والنباتات المتحللة عبر ملايين السنين.
ورغم أن هذه المواد الكربونية الناتجة بفعل عوامل الضغط والحرارة يمكن توظيفها لإنتاج الطاقة إلا أنها تشكل خطرا بيئيا بسبب انبعاثات الغازات الدفيئة عند احتراقها.
بالإضافة إلى التلوث البيئي الناتج عن استخدام الوقود التقليدي، فهو يشكل خطرا صحيا على العمال حيث يتعرض الكثير من العمال للحوادث والأمراض عند استخراج الفحم بما يعرف بعملية التعدين والتي تعتبر واحدة من أخطر الوظائف في العالم(3).
الخطر يكمن أيضا في احتمالية حدوث حوادث كغرق ناقلات النفط وتسرب للنفط أثناء النقل إلى البيئة بما يحمله من مواد كيميائية ومسرطنة وضارة للبيئة والكائنات الحية.
يتفوق الهيدروجين الأخضر على الوقود التقليدي في عدة نواح، وذلك يشمل:
1) الاستدامة البيئية وتوافر المصادر للهيدروجين حيث يمكن تحضيره من التحليل الكهربائي للماء ومن مصادر متجددة كالرياح والطاقة الشمسية وهذه العمليات تعتبر نظيفة كونها لا تطلق غازات ضارة بالبيئة على عكس الوقود الأحفوري.
2) وهذا يقودنا إلى النقطة التالية وهي أن استخدام الهيدروجين الأخضر يساهم في تحسين جودة الهواء حيث أن الناتج عن إحتراق الهيدروجين هو بخار الماء بينما تنتج غازات ضارة عند احتراق الوقود الأحفوري كثاني أكسيد الكبريت مما يلوث الهواء ويتسبب في تغيرات مناخية ومشاكل صحية سيما على الأطفال(4).
3) مجال الهيدروجين الأخضر يشهد تقدما تكنولوجيا ملحوظا لإنتاجه وبالتالي إمكانية توظيفه في مجالات متعددة بشكل تكاملي فعلى سبيل المثال يستخدم في مجال النقل كوقود للخلايا الوقودية في المركبات بدون انبعاثات غازية ضارة.
بالإضافة إلى أنه يستخدم كمادة أولية لإنتاج بعض المواد الكيميائية بشكل أخضر ونظيف.
4) يتميز الهيدروجين بكفاءته العالية في تحويل الطاقة وبكفاءة أعلى من الوقود الأحفوري(2).
5) وأخيرًا يتميز الهيدروجين بسهولة النقل والتخزين بالإضافة إلى أنه أكثر أمانا من الوقود الاحفوري بسبب طبيعة الهيدروجين الغير سامة. علاوة على ذلك يحتاج الهيدروجين كمية أكبر من الأكسجين للانفجار بينما البنزين يحتاج نسبة ضئيلة مما يجعل الهيدروجين أكثر أمانا وأقل عرضة لحوادث الانفجار(5).
هناك عدة أنواع من الهيدروجين (طيف الألوان الهيدروجينية) التي تصنف إلى ألوان مختلفة استنادا إلى طريقة تحضيرها بما تتضمنه من نوع الطاقة المستخدمة، تكاليف الإنتاج، والانبعاثات الصادرة خلال عملية الإنتاج.
تتراوح هذه الأنواع بين الهيدروجين الرمادي الذي يتم تحضيره من إعادة تشكيل غاز الميثان وهو السائد حاليا في الأسواق والهيدروجين الأخضر الذي يتم تصنيعه بواسطة عملية التحليل الكهربائي(6).
يعتبر الهيدروجين البني هو الأقل صديقا للبيئة من بين الأنواع الأخرى للهيدروجين بسبب كمية التلوث الصادرة خلال تحضيره حيث أنه يتم تحضيره من الفحم مع إطلاق حوالي 20 كيلوجرام من غاز ثاني أكسيد الكربون لكل كيلو من الهيدروجين الناتج. ولا يقل الهيدروجين الرمادي سوءا عن الهيدروجين البني حيث أنه يصدر أيضا ثاني أكسيد الكربون خلال تحضيره بواسطة إعادة تشكيل غاز الميثان.
وفي نقلة تطورية يأتي الهيدروجين الأزرق الذي يتم تحضيره بطريقة مشابهة للهيدروجين الرمادي لكن مع استخدام نظام يسمح بالإمساك بغاز ثاني أكسيد الكربون وتخزينه وإعادة استخدامه مما يساهم في التقليل من الانبعاثات الكربونية.
الهيدروجين الفيروزي (الإرتكواز) يستخدم أيضا الميثان لكن بتكسيره بعملية التحليل الحراري فينتج الكربون الصلب كناتج ثانوي والذي يمكن تخزينه بسهولة وتوظيفه في تطبيقات صناعية أخرى. لا يزال الهيدروجين الفيروزي قيد التطوير ولم يتم استخدامه بعد على نطاق صناعي واسع.
يعرف الهيدروجين الأخضر بالهيدروجين النظيف أو المتجدد حيث أنه يتم إنتاجه بواسطة التحليل الكهربائي للماء باستخدام كهرباء ناتجة من مصادر متجددة كالشمس والرياح وبدون أية انبعاثات لثاني أكسيد الكربون.
نتيجة لهذه الانبعاثات الصفرية فإن مستقبل الطاقة مستبشر بالهيدروجين الأخضر رغم إنتاجيته المنخفضة حاليا والتي تعزى لتكاليف إنتاجه بواسطة التحليل الكهربائي.
هناك أنواع أخرى من الهيدروجين التي تستخدم أيضا عملية التحليل الكهربائي لكنها تستخدم الكهرباء الناتجة من مصادر أخرى مثل الهيدروجين الوردي الذي يستخدم الكهرباء الناتجة عن الطاقة النووية بدلا من الطاقة المتجددة.
الهيدروجين الأبيض هو الهيدروجين الذي يتشكل طبيعيا وجيولوجيا عن طريق التكسير ويتواجد تحت سطح الأرض.
الهيدروجين الأبيض سيكون خيارا صديقا للبيئة في حال إمكانية الاستفاده منه، لكن إلى الآن لا يوجد خططا واضحة لاستخراجه.
أرجو الرجوع للمصدر رقم ستة للحصول على المزيد من التفاصيل عن طيف الألوان الهيدروجينية وطريقة تحضيرها.
من خلال هذه الأنواع المذكورة، يتصدر الهيدروجين الأخضر ليكون هو الصديق الأنظف للبيئة لكن هناك تحديات تعيق اجتياح الهيدروجين الأخضر للأسواق ومن الضروري الالتفات لها من أجل تسريع التطور التكنولوجي في مجال الهيدروجين الأخضر.
من هذه التحديات: تكلفة الإنتاجية العالية والحاجة للتطوير التكنولوجي مما يتطلب وقتا وجهدا بالإضافة إلى الحاجة للتطوير من سلامة التعامل مع الهيدروجين، ورغم أنه أكثر أمانا من الوقود التقليدي كما ذكرنا سابقا إلا أنه غير منزه عن إمكانية الحوادث ولو بنسبة ضئيلة. فبالتالي الوصول إلى طاقة نظيفة سيحتاج الجهد والتطوير المستمر لكنه ليس مستحيلا في ظل الإنجازات الحالية والتوقعات المستقبلية التي تدعونا لتفائل.
بناءا على تقرير الوكالة الدولية (7) للطاقة الذي تم إنشاؤه عام 2019 فإن الهيدروجين يشهد زخما واسعا في مختلف الدول في العالم ويتربع مشاريع بارزة على المستوى السياسي والاقتصادي في العالم.