شوقية بنت محمد الأنصاري
تجربتي التطوعية مع مواهب الأطفال الأدبية والفنية باتت تأخذ ملامح البرهان في التوجه للاستثمار في الطفل، فبالتشارك الإنساني مع الأسرة الحاضنة الأولى للإبداع، حققت نخبة من أطفال الوطن التتويج في عدة مسابقات وطنية، واصطحبتهم على مسرح تحدي الإلقاء للطفل بالرياض، وفي معارض الكتاب، لأرسم في دراسة بحثية حديثة ملامح تشكّل ثقافة وفلسفة الطفل السعودي، حتى حين أعلنت وزارة التعليم عن جائزة (ملهم) للأداء المتميز تركت مسرح التنافس الوزاري، واحتضنت (كادي) بالتدريب والاستشارة لترفع راية التميز الوطني، فصدحت أصوات العربية ومسارح الفنون الأدائية بدبي معلنة تتويج الطفلة (كادي بنت مسفر الخثعمي) بطلة (تحدي القراءة العربي 2024) في موسمه الثامن بمشاركة أكثر من 28 مليون طفل عربي، وكادي ضمن 23 طالبا وطالبة سعودي تأهلوا للمسابقة، بعد أن أعلنت وزارة التعليم عن مشاركة أكثر من مليون ومائتي ألف طالب وطالبة في تحدي القراءة العربي 2024م. وذلك ضمن حراك وطني تثقيفي لجذب المواهب للتنافسية، حيث أعلنت وزارة الثقافة عن مشاركة أكثر من 200 ألف طالب وطالبة بمسابقة (المهارات الثقافية)، ومسابقة (اقرأ) بمركز إثراء الدولي، ومسابقة (أولمبياد إبداع) بمؤسسة موهبة، و(تحدي الإلقاء للطفل) بمجمع الملك سلمان الدولي للغة العربية، لتأخذنا الأرقام لقراءة مدلولات تفاعل الجيل معها، ورصد مؤشر حضور الأسرة كمدرسة أولى تحتضن الطفل وتوفر له سبل الإبداع. فما أن تشرق أنوار العلم حتى تتهيأ البيئة الأسرية المتحضرة المتعلمة الواعية لتشارك التعليم في تحقيق الاستدامة (تنمية الانسان ونهضة الأوطان)، ونقدم أنموذجا لفلسفة التفكّر بجودة حياة نمائية بواعثها طموح يتحقق، فالطفل الفضولي هو مشروع لباحث المستقبل، وطفل اليوم هو رجل الغد، والطفل نبوءة والديه، لننطلق كأصحاب قرار في تحقيق المعادلة، التي استجمعها فلاسفة العالم في نظريات المعرفة والنمائية والأخلاقية والنفسية والاجتماعية، ونعيد النظر في مفاهيم نرددها، ونسترجع قراءة ما طرحه الفلاسفة حول الطفولة، ومدى تحقيق معايير تجربتها في نمو عقلية طفل العصر وحراك إبداعه، لربما قادتنا هذه التحولات لرسم نظرية جديدة تستدعيها دهشة الطفولة وإلهامه تحت مظلة بيت الخبرة (وزارة التعليم- وزارة الثقافة).
تجلت من مسرح تحدي القراءة العربي مقاطع وصور للغة الطفلة الفائزة (كادي الخثعمي) المدهشة بمنطقها الفلسفي في مفردة حركت تأمل وتفاعل الجمهور، حين عبّرت بلغة جمالية: (القراءة هي عيناي التي أبصر بها الحياة) لتعيدنا الطفلة إلى الخلف، إلى ما قبل المعرفة التراكمية وتضعنا في مواجهة مع ما نعرفه وليس ما نبحث عنه اليوم، فالانغماس بعالم الكتب والقراءة بفهم أوقظ مهارات التفكير الناقد بالحجة المنطقية، وهنا محك التغيير في فلسفة لغة الطفلة (كادي) أمام الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم (حفظه الله) ما هو إلا دليل سقاية من القراءة بدأت، لاكتناز وثراء لفظي به المهارة تحققت، ودلالة توظيفها للقراءة كمنهج حياة، كما تجلّت ملامح الجودة الحياتية في لغتها الإعلامية التلفزيونية، وردّ الجميل للوالدين أولا، ولوطنها ولمن شاركها الاهتمام وطوّرها، فتضيف منحنى آخر لفلسفة الطفل وثقته بقولها: (فخورة بذاتي) مفردة تجاوزت جمالياتها كتب تقدير الذات، وقد أشارت الدراسات النفسية الحديثة حول إدراك الأطفال لمفهوم المفردة، فالمفاهيم لا تتكوّن من خلال تعلم الحالات الضرورية لتطبيقها، بل بممارسة مرجعية من عدة قيم يمارسها بساحة العلم فيتعمق الفهم لديه بمنطق تحليلي فلسفي.
إن تأسيس القراءة كجودة حياة يرتكز في دوره الأعظم على همة الأسرة لتأسيس مجتمع متعاف من كل أشكال اللامبالاة والقسوة والغلو والتطرف، فالاهتمام بلغة الجيل، يبدأ بتحفيز دهشتهم بالسؤال الأول، وإن خلت جعبتهم من المعرفة والأحكام المسبقة، وننشئ الحوار بين الفئات المتفاوتة لينتظم نسيج الأفكار، وتثير الشغف والقلق للعلم؛ فيعود الطفل لرشده بجوهر السؤال المُلِح لحقيقة الأشياء وينغمس فيها بقراره.
لذا يجب التحقق من جودة خبرتنا كأسرة ومربين في استيعاب مفاهيم النمو المعرفي، بتطوير نظريتنا المعرفية السابقة نحو مستجدات الانفتاح المعرفي الذي يعيشه جيل العصر. فما زال هناك من يتحدث بنفس مفهوم نظرية أرسطو (أن الطفل هو شخص غير ناضج لديه القدرة الطبيعية للنمو لشخص ناضج بنفس التركيب والشكل والوظائف التي يمتلكها الراشد السوي)، بطرح أراء سطحية عن الطفولة دون الاحتكاك بها مباشرة، فهم يتحملون المسؤولية في تنمية البيئة المحفزة التي يحتاجها الأطفال ليصبحوا أسوياء، ينمو تركيبهم البيولوجي والنفسي لأداء وظائف أكبر من عمرهم.