خالد محمد الدوس
ولد العالم الاجتماعي والفيلسوف الألماني والتر بنيامين في العاصمة الألمانية برلين عام (1892) من عائلة ثرية تميزت بحب العلم والفكر والفلسفة الاجتماعية، وبعد الانتهاء من التعليم العام التحق عام 1912 بجامعة فرايبورغ الألمانية، لكنه لم يستكمل دراسته في هذه الجامعة، وفضل الانتقال إلى جامعة برلين العريقة، وواصل فيها تعليمه الجامعي في الوقت الذي كان لديه ميول إعلامية صحفية.
كانت كتاباته ومقالاته تصب في ميدان التغيير التربوي والثقافي، وبعد تخرجه من الجامعة سافر إلى فرنسا ثم إيطاليا وبعد اندلاع الحرب العالمية الأولى عام 1914 تظاهر بنيامين بالمرض..!! لتجنب التجنيد الالزامي في فرنسا ثم عاد إلى ألمانيا عام 1915 وواصل دراسته العليا في جامعة ميونيخ العريقة، وكانت اهتماماته في الأدب والشعر والرواية، فكتب عن الشاعر الالماني الرومانسي في القرن الثامن عشر فريدرش هولدرلين، وفي عام 1919 حصل بنيامين على شهادة الدكتوراه بمرتبة الشرف وكانت أطروحته بعنوان: «مفهوم النقد الفني في الرومانسية الألمانية» بعد أن كانت اهتماماته وكتاباته في الأدب والمجتمع التي خرجت منها فرع علم الاجتماع الأدبي بعد ذلك.
ومن أشهر مؤلفاته كتابه الأول «رسالة منطقية فلسفية»، وكتابه «تحقيقيات فلسفية» وكتابه «باريس عاصمة القرن العشرين».
ولتميز أعماله التاريخية - النقدية فضلا عن مقالاته الصحفية الأدبية والفلسفية والاجتماعية الناقدة اختير عضوا في معهد فرانكفورت للعلوم الاجتماعية الذي كان أبرز زعمائها الفلاسفة والعلماء «تيودور آدورنو وهور كهايمر وهربرت ماكوزة» وشكل أحد رموز تلك المدرسة النقدية.. ومن روادها (مدرسة فرانكفورت)، وقد تأثر بكتابات «كارل ماركس» الأب الروحي للنظرية الصراعية، وأفكار «جورج لوكاش» الواقعية، وتكمن أهميته في كونه قدم أفضل الصيغ في الفكر النقدي للأدب، وقد ساهمت نظريته في ظهور البنيوية التكوينية عند العالم الفرنسي «لوسيان غولدمان».
وقد اهتم بالفن الأدبي اهتماما لافتا للانتباه، حيث درس الأدب في ضوء مفاهيم ماركسية، حيث اعتبر الفن والإبداع الأدبي إنتاجا والمؤلف منتجا، كما يتضح ذلك جليا في كتابه: «المؤلف منتج» وقد طالب بنيامين أن يكون الإنتاج ثوريا، وعاملا فعالا في خلق علاقات اجتماعية جديدة بينه وبين المتلقي، وينوره بشكل إيجابي عبر تمرير رسائل فنية في قالبها الأدبي. ومن هنا، يعتمد الفن عند والتر بنيامين: «على تقنيات معينة من الإنتاج، شأنه في ذلك شأن غيره من أشكال الإنتاج». أي: يعتمد على أنماط معينة في الرسم والنشر والعرض المسرحي ..إلخ. هذه الأنماط جزء من القوى الإنتاجية للفن، وجانب من مرحلة من مراحل تطور الإنتاج الفني، تتضمن جماعا من العلاقات الاجتماعية بين الفنان المنتج والمتلقي المستهلك مؤكدا في هذا السياق أن الرواية الأدبية مرآة المجتمع..!
ومن جهة أخرى، يرى بنيامين أن الاستنساخ الصناعي قد قضى على الفن الراقي والسامي، وحوله إلى كليشيهات لا حياة فيها ولا روح. وهكذا، يقول بنيامين في مقاله: «العمل الفني في عصر الاستنساخ الصناعي» (1933): «إن الأعمال التراثية في الفن كانت تحيط بها هالة من التفرد والتميز والتباعد والديمومة.
ولكن الاستنساخ الآلي للرسم، مثلا، قضى على هذا التفرد، وأحل محل اللوحة الفريدة نسخا شعبية، فحطم بذلك من هالة الفن المتوحد المغترب، وأتاح للمشاهد أن يرى اللوحة حيث يشاء، يضاف إلى ذلك أن الفيلم في آلة التصوير يجعل الناس خبراء، ما ظلوا قادرين على التقاط الصور الفوتوغرافية؛ فتتهدم الشعيرة التقليدية لما سمي بالفن الراقي.
وبالطبع أن دراسات وأبحاث العالم (والتر بنيامين) المتنوعة كانت الأرضية الصلبة التي نشأت عليها أسس ومبادئ علم الاجتماع الأدبي الذي صاغه «منهجيا ونظريا وتطبيقا» من بعده رائده الفيلسوف والعالم الاجتماعي الفرنسي «لوسيان غولدمان».
كعلم حيوي يجمع الجوانب الاجتماعية والأدبية والفلسفية والفكرية بمنهجيته العلمية وتطبيقاته الأدبية والاجتماعية بعد أن تجاوز علم الاجتماع مرحلة إثبات الجدوى والمشروعية المعرفية شرع في تقديم نفسه خلال القرن العشرين كفروع متخصصة قادرة على دراسة وتحليل مختلف الظواهر، فما من مجال مجتمعي إلا وصار مستهدفا من قبل البحث السوسيولوجي وفي ذلك تأكيد على اتساع دائرة الاهتمام السوسيولوجي من جهة، وأهمية علم الاجتماع كمعرفة تتسم بالدقة المنهجية من جهة أخرى، وكان «علم اجتماع الادب» تلك المجالات، كعلم يدرس الأدب بوصفه ظاهرة اجتماعية، أي دراسة العلاقة التفاعلية المتبادلة بين الأدب والمجتمع.
توفي الفيلسوف الالماني والعالم الاجتماعي والتر بنيامين في عام 1940 بعد أن ترك العديد من الأعمال والأبحاث والدراسات الاجتماعية الفلسفية والثقافية والإعلامية والسينمائية تدرس في الجامعات الاوروبية والامريكية واعتبر بنجامين واحدا من كبار نقاد الادب والفن وفلاسفتها في القرن العشرين، وكانت الكتب العديدة التي نشرها خلال حياته قد جعلت له شهرة كبيرة لدى الأوساط الأدبية والفكرية والاجتماعية في ألمانيا كما في فرنسا وكان يعتبر نفسه ابن الثقافتين معا.