علي حسين (السعلي)
لا أملك إلا حرفا اكتبه
إذا اشتدت بي المحن
سعليّ رجّال في سواد أنثى
وكيد في روايتي وطن
كنتُ ومازالت أيها السيدات والسادة أوّل من يحتفي بما أصدره من كتب ، وبعض أصدقائي ممن أثق فيهم وأمضي معهم قُدما نحو الكلام ومجلّد الحكاية والمشهد الثقافي والأدبي عموما، فكل كتاب ألفه هو بالنسبة لي حكاية من تعب عن أفكار كثيرة تسبح في خيالي وتستقر بعقلي وتستوطن قلبي، وعيني تنظر من ثقب نافذة الحياة لأبصر من ورائها مَنْ يكون الطارق ، ومَنْ أكون؟! حياتي التي أعيشها قبل وأثناء وبعد والآن تتلخص في ثلاثة أشياء :
- صلاتي
- قراءاتي
- مَنْ يوجع قلبي ، أو يفرحه
لم أكن بصراحة لألتفت لــ مولدي وصباي في عشقي الطفولي محافظة «الطائف» وحارات بقي لي ، والتلفزيون، الشطبة والأهم حارتي شارع 25 ومن هنا كانت قصة « كرتون» حين كنت أمارس اللعب في هذه الحارة منها لعبة «مكشوف» كل مجايلي يختفون عن الأنظار وأنا اتصندق مختفيا عنهم في «كرتون موز» واذكر جانبا من شقاوتي مع ولد خالتي محمد هذا النديم المشاغب مثلي نسأل الله أن يسامحنا لقد سلخنا جلد قطّة وهي حيّة ولم تدمع أعيننا، وكأني حين أتذكرها الآن أقول بيني وبين نفسي «يالله ما هذا الإجرام الذي كان فينا !»
كذلك شارع شهار لي في قصة وحديقة السداد سابقا ياه انضربنا فيها مع عيال حاراتي استلهم حين خضنا معركة حامية الوطيس مع عيال حارة «البخارية» وكذلك حين يكون هناك قصص في برحة العباس أوه عاد هذي بالذات تحتاج كتبا لما فيها من رعب وترقب وانتظار فصل الرقبة من السياف للمجرم ، أصلا وقوف السياف الأسمر في الملامح كأنه «دراكولا» فيلم مرعب وهو يتنزه في البرحة وهو يدور خلف ضحيته المستحقة وكأنه يتمشى في غدير ماء أو نبع صاف أونهر بشلالات خَيْرَه بزهران ولا أفيق إلا حين أجد نفسي تحت شجرة مغمى عليّ تزامنا مع تنفيذ حكم القصاص، وأصدقائي يساعدوني لأنهض معهم ..
كل هذا وثقته في مجموعتي القصصية الأولى التي حملت عنوان «السعلي» وفيها انطلق مشروعي في الكتابة عن الحارة والقرية والبحر وجدة وهو توثيق الحكايات التي أسمعها من الجدات وكبار السن أو من تجربة شخصية لي هو مشروع واقعي خيالي ولنقل عليها (الكتابة الساخرة)، لا كما عزيز نسين ولا متشائمة ككافكا ولا غرور ديستوفيسكي ولا الذات عند ماركيز ولا الأنا عند المتنبي لالالا بل كتابة سعليّة بدأت من الحارات «الردف» بالطائف «الشفا» اذكر لكم حكاية عندما كانت الكرة نديمتي في يدي وعند منامي، ولكن بعد حادثة من أراد أن يخطفني طفلا بريئا بقوله : «تعال ياواد أعطيك قروش واشتري لك كورة غير التي في يدك» فانطلقت من وقتها أسابق الريح هروبا !
ومن وقتها كرهت الكرة لمسا ، وعشقتها ركلا !
وبعد قضاء صباي كاملا في الطائف انتقلت إلى الباحة وبيتنا الجديد ، زملاء آخرون ، أصدقاء ينعدون على الأصابع، النوم على أنغام صرصار الليل مبكرا، أصحو على صوت البلابل ونداءات العصافير فجرا ، حياة مختلفة عليّ كلية ولكني بصراحة « بيني وبينكم هُسْ.. لا أحد يسمعنا» راقت لي كثيرا أتذكر جبل «الأحمر» الحدب ، الدار ، الحازم، المشري ، الكرادمه ، الغرسة ، والحِلّه ، وادي تميم، يوه أمكنة فاتنة لي في كل حارة منها حكاية أو حكايتان، فكنت الولد المحنّك الفتك الذي جاء من الطائف ليسكن القرية.
وقتها كانت لهجتي مختلطة ما بين قرشية وطلحية وعتيبية والهذلية والثقفية وشي من الزهرنه، لكن ذلك لم يدم طويلا من سكن في لساني اللهجات من قبائل في الطائف وتلك الأهزوجة على أنغام المرمار :
يا الله يا ولي تنصر ملكنا
تنصر ولي عهده انصر وطنا
شــربــه من زمزم وسـقاني
شــربــه مـن زمـزم وروانـي
اوقــد الــنــار يـا شـبابها
وصـمـة الـعـار ما نرضى بها
حـــبــا حــبــا بــلّى جا
يـــا مــرحــبــا بـلَّـي جـا.
حتى بعد إكمالي دراستي بمتوسطة قرن ظبي الصف الثاني والثالث كنت جاهزا بلكنة زهرانية قحة تحديت فيها وتوفقت من عاش بالقرى الجنوبية حياتهم كلها !
اعتبر التحاقي بالمعهد العلمي بمدينة الباحة بمثابة اكتشاف نفسي قدراتي قراءاتي انطلاقتي الأولى في عالم الثقافة والأدب والفكر ، بل أهم محطة في حياتي التي غيرت بوصلتي في اتجاه النحو والأدب والبلاغة والفرائض وحكايتي مع الدكتور علي أستاذي التي تعلمت منه الكثير، وكيف أن هذا الأستاذ وغيره عبد الرزاق وعبد الحكيم راضي والروقي ومديرنا القدير الدميني ، يرحم الله من رحل وحفظ الله من بقي منهم … ياه الحق أني تعبت سأكمل لكم في المقال القادم بإذن الله.. وعد هيا في أمان الله.
سطر وفاصلة
استجرار سيرتي كلها شوك
ما بين شوق وشوق شوق
لماذ حبيبتي رحلت
وأنا كلي فن وهنسة وذوق
ماذا دهاك يا مرآتي
يا نبع ماءٍ صافٍ من حياتي
يا غدير طائفٍ من نخل مدينتي
يا عطرا تضوّع في ذ اتي
وتسربل كرغاء نوق
بحثتُ عنك سيدتي في مكان
ولم أجد سوى دمع رقراق نثرته
كلما تقاطر من وجنتي سقوطا
ارتفع بسألك من فوق.