خالد بن عبدالرحمن الذييب
في عام 1906م وبعد انتصار اليابان على روسيا عام 1905م، عقدت اليابان في عهد الإمبراطور متسوهيتو مؤتمراً للأديان لاختيار الدين الأصلح لمواكبة التطور الذي تشهده اليابان في تلك الفترة ليصبح الدين الرسمي للإمبراطورية، وبناء عليه أرسلت مجموعة من الدول وفوداً تتكلم باسم دياناتها ومن ضمنها فرنسا وإنجلترا وإيطاليا وأمريكا والدولة العثمانية آنذاك. وبصرف النظر عن تفاصيل القصة والتي يذكرها الشيخ علي الجرجاوي في كتابه «رحلة اليابان»، فدعونا نأخذ الموضوع من زاوية أخرى، زاوية طبيعة الشعب الياباني ودرجة تقبله للآخر في أمر مصيري كهذا.
يتضح ذلك من خلال كتاب «فهم الإسلام في اليابان بين الماضي والحاضر» للدكتور/ سمير إبراهيم. فبعد قدوم المبشر النصراني فرانسيس خافيير إلى كاغوشيما عام 1549م ظنوا أن النصرانية شكلاً من أشكال البوذية، وذلك بسبب أن المبشرين كانوا يستخدمون المصطلحات البوذية للتعبير عن الأفكار النصرانية بالإضافة إلى اختلاط التجارة بعملية التنصير، فلم يكن هناك صعوبة على الغرباء وهم يدعون لديانتهم في ظل تسامح اليابانيين، حيث وجد المبشرون تشجيعاً من جميع الطبقات حتى من رهبان البوذية «الذين كانوا يستمعون بعناية فائقة إلى ما تقدمه عقيدة الكاثوليك». حسب مؤلف الكتاب أعلاه.
ومع حقيقة أن الإسلام انتشر بالتعامل عن طريق التجار في شرق أسيا، إلا أنه لا يمكن إغفال أن الإسلام وجد أرضاً خصبة وشعوباً متقبلة للأفكار الجديدة لدرجة الاندماج فيها. يفسّر هيوم ذلك في كتابه «التاريخ الطبيعي للدين» بأن الوثنيين لتعدد آلهتهم أكثر قبولاً للموحدين؛ لكون الوثنيين لديهم قبول فكرة التعدد، فزيادة إله واحد لن يضر، أما الموحدون ففكرة الشرك عندهم فكرة عظيمة وجريمة كبرى لا يمكن التسامح معها.
ومع ذلك فحديث هيوم عن الوثنيين لا ينطبق في كل الحالات، فمشركو الجزيرة العربية آذوا الرسول - صلى الله عليه وسلم -، قبل أن تنتشر دعوته التي استمرت لـ 23 سنة، نتيجة العناد، والجبروت، والإقصاء الذي قوبل به نبي الله - صلى الله عليه وسلم -، لذلك أعتقد أن ما حصل من اليابانيين هي طبيعة شعب لا أكثر، فاليابانيون لم تكن لديهم عوائق تحول دون دخولهم الإسلام - في الفترة التي يتحدث عنها المؤلف على الأقل - هم يريدون فقط من يقنعهم بالإسلام واترك الباقي عليهم بعد الله سبحانه وتعالى!.
يشير د. إبراهيم في كتابه أعلاه: «أن هناك نفراً قليلاً قد لا يعلن عن ديانته، وهذا أمر ليس بغريب فهو يتماشى مع التقاليد اليابانية، فليس هناك من يسأل إنساناً آخر عن دينه»، وهذا كما يراه البعض دليلاً على انفتاح المجتمع الياباني أكثر من غيره.
أخيراً...
قبول الآخر هو أن أقبلك كفرد..
ولا أضرك بسبب خلفيتك الدينية أو المذهبية ولا أحرمك الفرص...
ما بعد أخيراً...
هناك شعوب تريد الحقيقة...
وهناك شعوب لديها الحقيقة...
فعلى من لديه الحقيقة... ألا يتقاعس عن كشف الحقيقة.