د. طارق بن محمد بن حزام
يشهد قطاع التعليم تطورات حديثة تسعى لتطوير القدرات التعليمية بشكل متقدم. تأتي هذه التطورات ضمن إستراتيجية التعليم الجديدة في المملكة العربية السعودية، والتي تسعى إلى تعزيز مهارات التفكير الناقد والتعلم الذاتي. هذا التوجه يعتمد على تطوير قدرة الطالب على التحليل العميق، والتفكير الناقد، والبحث عن المعلومات من مصادر متنوعة. يساعد التفكير الناقد المتعلمين على فهم المعلومات بطريقة فعّالة، ويعزز من قدرتهم على التواصل الفعّال مع الآخرين، مما يسهل عليهم تبادل الأفكار والاقتراحات، وقد أشار برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إلى أن التفكير الناقد يعتبر من المهارات الأساسية التي تسهم في إعداد جيل قادر على مواجهة تحديات المستقبل والمساهمة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة (UNDP, 2022).
لقد أدى ظهور التكنولوجيا الحديثة، وخاصة وسائل التواصل الاجتماعي، إلى جعل عملية التعلم الذاتي أكثر سهولة وسرعة بفضل الإنترنت والأجهزة الذكية، بات الوصول إلى المصادر التعليمية أسهل من أي وقت مضى. يمكن للمتعلمين اليوم الاستفادة من مجموعة متنوعة من المواد التعليمية عبر الإنترنت، سواء كان ذلك من خلال المكتبات الإلكترونية أو الفيديوهات التعليمية أو التطبيقات المخصصة للتعليم. يساعد التعلم الذاتي الطلاب على اكتساب مهارات جديدة وتطوير إمكانياتهم بشكل مستقل، مما يساهم في تعزيز ثقتهم بأنفسهم وتحقيق التقدم الشخصي والمهني.
وقد أثبتت الدراسات أن التعلم الذاتي يساهم في تحسين أداء الأفراد ويتيح لهم فرصة استكشاف مجالات جديدة، تغذي شغفهم العلمي وتعزز إبداعهم (Bandura, 2018).
وتتوافق رؤية المملكة 2030 مع أهداف التعليم الجديدة، حيث تهدف إلى إعداد جيل متمكن وقادر على تحقيق إنجازات عالمية. ومن هذا المنطلق، تُشجع الرؤية على الانتقال من أسلوب التعليم التقليدي إلى أساليب تعليمية حديثة تركز على التفاعل والمشاركة، مثل التعلم النشط. يسهم التعلم النشط في تنمية المهارات القيادية والمعرفية لدى الطلاب، ويعزز من قدراتهم على التفكير الإبداعي والابتكار، مما يمكنهم من التميز في المجالات الأكاديمية والمهنية، والإسهام بشكل فعّال في مجتمعاتهم المحلية والعالمية (Vision 2030, 2016.
وفي إطار التعلم النشط، يتغير دور المعلم من مجرد ناقل للمعلومات إلى موجه ومشرف ومحفز، حيث يقوم بتوجيه الطلاب وتشجيعهم على اكتشاف المعرفة بأنفسهم. يؤدي المعلم دوراً رئيسياً في تحفيز الطلاب على المشاركة الفعّالة والتفاعل، بدلاً من تلقي المعلومات بشكل تقليدي. عندما يُمنح الطالب فرصة لاستكشاف المعرفة بشكل مستقل، فإن ذلك يُعزز من قدراته الإبداعية ويساعده على تطوير مهارات التفكير النقدي.
ومن مميزات التعلم النشط ما يلي:
1 - دور المعلم: في التعلم النشط، يصبح المعلم مخططًا وموجهاً ومحفزاً، ويعد مصدراً للخبرة والمعرفة التي يستفيد منها الطلاب.
2 - دور المتعلم: يتميز الطالب في هذا النوع من التعليم بكونه مشاركاً نشطاً، مما يحفّز إبداعه ويعزز من دوره الإيجابي في العملية التعليمية.
3 - المهام المشتركة: تكون المهام والأنشطة مسؤولية مشتركة بين المعلم والمتعلم، حيث يعملون معاً لتحقيق الأهداف التعليمية.
4 - إدارة الفصل: يشارك الطلاب في وضع قواعد الفصل وإدارته، مما ينمي لديهم الشعور بالمسؤولية والقدرة على اتخاذ القرار.
5 - حرية الحركة: يتمتع الطلاب بحرية أكبر في الحركة والجلوس، مما يساعد في تقليل الروتين وتعزيز الجو التعليمي المرن.
6 - سرعة التعلم: يراعي التعلم النشط الفروق الفردية بين الطلاب، بحيث يمكن لكل طالب التعلم وفقًا لسرعته الخاصة.
7 - وضوح الأهداف: يتم تحديد الأهداف التعليمية بوضوح، ويشارك الطلاب والمعلمون في وضعها، مما يضمن التزام الجميع بتحقيقها.
8 - مصادر التعلم المتنوعة: يوفر التعلم النشط مجموعة متنوعة من المصادر التعليمية، مثل الإنترنت والمكتبات الإلكترونية والفيديوهات التعليمية، مما يسهل الوصول للمعلومات ويساعد على استيعابها بشكل أفضل.
9 - التقييم الذاتي: يساعد المعلم الطلاب على اكتشاف نقاط قوتهم وضعفهم، ويشجعهم على تقييم أنفسهم بصدق وفعالية، مما يسهم في تطوير الذات.
10 - مخرجات تعليمية نوعية: يعزز التعلم النشط من مهارات التفكير النقدي والتحليلية، مما يُنتج مخرجات تعليمية ذات جودة ومهارية عالية، تساهم في إعداد جيل متمكن وقادر على التكيف مع متطلبات العصر.
(الخاتمة)
إن التحول نحو التعليم النشط وتطوير مهارات التعلم الذاتي يمثلان أساساً قوياً لتحقيق أهداف رؤية 2030حيث يُعد هذا التحول بمثابة إعداد لجيل واعٍ ومتمكن من مهارات القرن الحادي والعشرين، مثل التفكير النقدي والتواصل الفعّال.