م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1- الحداثة مَسَّت كل شيء في الحياة.. ونظر إليها المفكرون من زوايا مختلفة؛ معرفية، وأخلاقية، ودنيوية، وجمالية، وسلوكية، وقيمية، ومفاهيمية ... إلخ.. ثم تفرّعت فمست الآداب، والفنون، والغذاء، والبروتوكولات، والقيافة، والممارسات الاجتماعية، والصناعات، والاستهلاك.. وغيرها.
2- الحداثة في أصلها هي العناية بالذات أولاً والانتصار لها والنظر إلى العالم بمنظورها.. أي أن الحداثة هي الذات العاقلة التي تضع الأولوية للذات في الاعتبار.. والتي قدمت الأنا على نحن، وأعطت الأهمية لمبدأ الفرد مقابل مبدأ الجماعة، ورفعت من قيمة الذات أمام الموضوع.
3- مصطلح الحداثة اشتق منه ثلاثة مصطلحات هي: الحداثي، والحديث، والتحديث.. فمتى يكون الإنسان حديثاً، وكيف يكون حداثياً، وما هي وسائله للتحديث؟ فَصَّل «الدكتور محمد السيد» في ذلك وعَرَّفها بأن الإنسان الحديث هو الذي ولد في مجتمع حديث، أما الحداثي فهو الإنسان المدافع عن الحداثة المتحمس لمشاريعها، أما التحديث فهو فعل وليس وصفاً.. أما تعريف المصطلح الأصلي وهو (الحداثة) فهي مجموعة من التحولات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية التي شهدتها أوروبا في القرن السابع عشر وحتى اليوم، والتي امتدت لتشمل بقية أنحاء العالم.
4- الباحثون في أمر الحداثة كلٌّ انطلق من منظوره وهواه.. فهناك من نظر إلى الحداثة منطلقاً من أسسها ومفاهيمها وأركانها الفلسفية.. وزاويتها الأخلاقية، وآخرون نظروا إليها معرفياً على أساس النتائج التي تحققت للبشرية بسببها.. وغيرهم نظروا إليها من حيث إنها ضد القديم والتراث وبالتالي فهي ضد الدين حُكماً.. وهناك من نظر إليها من زاويتها السياسية وتنظيمات الحكومة الحديثة ومؤسساتها المدنية.. وفئة ثالثة نظرت للحداثة جمالياً وإبداعياً في الآداب، والفنون، وهكذا.. فالحداثة في حقيقتها حداثات متنوعة متشعبة، وإن كان لها روح واحدة وهي النظر إلى الأمام والسعي للتقدم وعدم الرجوع إلى الوراء.. وهذه معايير لها تبعات أحدثت الالتباسات التي لا يزال مجتمعنا العربي يعيشها.
5- رُبِطت الحداثة بالتنوير ربطاً ملزماً.. بل إنه تم توحيد الصفات والسمات بينهما؛ فكلاهما يقدم العقل.. واسْتُخْدم تعريف التنوير الشهير الذي قال به «ديكارت» في تعريف الحداثة: (لتكن لديك الشجاعة على إعمال عقلك).. كما تم ربط الحداثة بالفردانية، وجُعِل من أسس التعريف بالحداثة أن: (يعطي الإنسان الأولوية لذاته وينظر إلى العالم بمنظورها).. وكذلك ارتبطت بالحرية المطلقة التي تصل إلى حد الانفلات الشخصي الذي لا يمس حريات الآخرين?
6- المشكلة التي تواجه فكر الحداثة اليوم أن فكر الحداثة في الأصل بُنِي على مبدأ أنه لا وصاية على الإنسان من الإنسان، كما قامت على مبدأ الإبداع والتجديد.. لهذا تعد الحداثة فكرة تدعو للقطيعة مع التقليد والاتباع.. لكن يقع الحداثيون المعاصرون في خطيئة الوصاية على الآخرين، بدعوتهم إلى أن يقطعوا صلتهم بماضيهم وأن يقلّدوهم، وهنا نقض الحداثيون المعاصرون أهم مبدأين للحداثة وهما: عدم الوصاية على الإنسان، والدعوة لتقليدهم وليس للإبداع والتجديد!
7- يقول فيلسوف المغرب الكبير «د. طه عبدالرحمن»: الحداثة هي ألا تقلد الحداثة، فالحداثة تجديد لا تقليد، لذلك كل مبدع حداثي، وكل مقلد غير حداثي، حتى ولو قلد الحداثة.. ويحتج الدكتور طه على أننا حولنا الحداثة إلى شيء ثابت محدد الشكل والوصف والسمات، وبذلك حولناها إلى شيء تقليدي ولم تعد كما يقول «هابرماس» مشروع لا يكتمل.. ثم يزيد «د. طه»: أن الحداثة روح وهي روح إبداع، ولها تطبيقات لا تطبيق واحد، وما الحداثة الغربية سوى تطبيق واحد.. والمشكلة أن دول العالم خارج أوروبا اتخذ التطبيق الأوروبي على أنه التطبيق الوحيد للحداثة، فقلدناه، فهل نحن بذلك حداثيون أم مقلدون؟