د. هيثم الصديان
يقال لك في النادي (الجيم) الكثير حول الدهون وضررها؛ فماذا لو ترجمناها إلى حقل الفكر؟
دهون الذاكرة:
الدهون مادة شهية ولكنها قاتلة للجسد.
وللذاكرة كذلك طعم شهي لكنه قاتل.
فللذاكرة قانون لا تخرج عنه: من حفظ ذاكرته لا تحفظه الذاكرة.. ومن خرج على ذاكرته لا تنساه الذاكرة..
لقد قال بعض علماء العربية قديماً إن الحفظ يعيق الإبداع.. بمعنى التركيز على أحدهما..
لكن للذاكرة سطوتها والثقافة جزء من الذاكرة.. لذلك عندما يملك أحدهما الأمرين، الثقافة (الحفظ) والإبداع، فإنه في الأغلب سينتصر فيه سرطان الذاكرة على حيوية الملكة الإبداعية.. لأن الذاكرة ذات جاذبية أقوى ولها شهوة أكبر في الإنسان
وهذا خلف الأحمر ملك الاثنين فأدمن الذاكرة حتى تسرطنت ملكته الإبداعية.. فراح ينحل شعرَه غيرَه من الفحول.. ولو أنه حمى نفسه من سلطان الحافظة لكان اليوم في قائمة فحول الديوان العربي..
وقد سُئل المفضّل الضبي يوماً: لمَ لا تقول الشعر؟ فقال: علمي به هو الذي يمنعني من قوله.
وكما أن هناك من يستطيع أن يمتنع عن الدهون، على ثرائه وقدرته المالية، فهناك كذلك الأمر أمثلة صنعت الفعل ذاته ثقافة وفكراً وإبداعاً:
هذا المتنبي على قوة ذاكرته وسعة ثقافته لم يدخل مجال الثقافة واختار الإبداع (بل ما يعيب شعره هو ثقافته).. وعمر أبو ريشة نحا النحو ذاته..
لكن لو جئنا إلى (عبدالرحمن بدوي) على مقدرته الفذة في الإبداع الفكري، لكن شهوة الذاكرة والثقافة أخذته فانتصر لموسوعيته أكثر من الأولى.. على خلاف الجابري الذي انتصر لاختلافه وإبداعه الفكري.. فاليوم كتابان للجابري تعدلان في الميزان كل ما قدمه بدوي.. علماً بأن كتب بدوي لا غنى للمكتبة العربية عنها.. لكن من أراد الجديد فعليه بكتابي الجابري.
فالإبداع يكره الانضباط والإملاء وحمولة الذاكرة ودهونها، ويحب الحرية ويعشق الأمية الثقافية.
قوس مفتوح: (طبعاً الإبداع ليس شعراً وسرداً فحسب ...