د. محمد بن أحمد غروي
قبل عامين، وصل أنور إبراهيم إلى رئاسة الوزراء في ماليزيا بعد رحلة سياسية مليئة بالتحديات والمفارقات. رجل المعارضة الأول لأكثر من ربع قرن أصبح فجأة في قلب السلطة، ورغم فوزه بأغلبية برلمانية بسيطة (112 مقعدًا)، إلا أنه استطاع التحالف مع خصوم الأمس لتأمين حكومته وإقناع الملك بأحقيته في منصب رئاسة الوزراء.
أنور إبراهيم، بعقليته الاقتصادية واستراتيجيته السياسية، أظهر فهمًا عميقًا لأهمية العلاقات مع المملكة العربية السعودية، التي تُعد مركز الثقل في العالم الإسلامي ومنطقة الخليج، لذا كانت بين أولى زياراته الخارجية، ما يعكس إدراكه لأهمية تعزيز العلاقات مع الرياض ليس فقط لدورها في العالم الإسلامي، ولكن أيضًا لدورها كمحرك رئيس في الاقتصاد العالمي. على مدى أقل من عامين، زار أنور المملكة خمس مرات، في مؤشر واضح على سعيه لتعزيز الشراكة مع الرياض. من زيارته الأولى التي شملت توقيع اتفاقيات ومذكرات تفاهم في مجالات الذكاء الاصطناعي، الطاقة النظيفة، والاقتصاد الأخضر، إلى مشاركته في القمة الطارئة لمنظمة التعاون الإسلامي بعد العدوان على غزة، أظهر أنور التزامًا عميقًا بتوطيد العلاقات مع السعودية، وإعادة صياغة السياسة الخارجية الماليزية بما يتماشى مع تطلعات القيادة السعودية ورؤية 2030.
خلال تصريحاته في مايو الماضي، أثنى أنور إبراهيم على كفاءة منظومة الاستثمار في السعودية، مشيرًا إلى تجربة مثيرة للإعجاب تمثلت في موافقة المملكة على طلب استثمار ماليزي خلال أقل من 12 ساعة، ولم تكن هذه الإشادة مجرد كلمات عابرة، بل حملت دلالات على عمق انبهاره برؤية 2030 التي يقودها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، والتي أعادت تعريف الدور الاقتصادي والسياسي للسعودية إقليميًا ودوليًا. أنور لم يكتفِ بتعزيز العلاقات الثنائية فقط، بل عمل أيضًا على ربط التحالف الماليزي-السعودي بمخرجات قمة آسيان - مجلس التعاون الخليجي، التي مثلت خطوة مفصلية في تعزيز التعاون بين المجموعتين الإقليميتين، ويعكس هذا التوجه نظرة استراتيجية لدى أنور الذي يدرك أن مستقبل ماليزيا الاقتصادي والسياسي يعتمد على تعزيز روابطها مع دول الخليج، وعلى رأسها المملكة.
الزيارات المتبادلة بين القيادتين تعكس هذا التوجه، حيث استضافت ماليزيا عددًا من الوزراء السعوديين لدعم التعاون في مجالات الاقتصاد ومكافحة الفساد وتطوير القدرات المؤسسية، وفي المقابل، أكد أنور خلال زياراته المتكررة إلى الرياض التزامه بدعم السياسات السعودية في العالم الإسلامي، خاصة ما يتعلق بالقضية الفلسطينية. في قمة العالم الإسلامي الطارئة، أظهر أنور انسجامًا واضحًا مع مواقف المملكة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية. دعمه المعلن لمواقف السعودية يعكس توافقًا سياسيًا في هذه القضية المحورية للعالم الإسلامي، كما أن هذا التناغم يُبرز ماليزيا كداعم رئيس للجهود السعودية في تعزيز التضامن الإسلامي ودعم حقوق الشعب الفلسطيني.
السياسة الخارجية لأنور إبراهيم تُعد الأكثر نشاطًا مقارنة بأسلافه، فهو يعمل بشكل دؤوب على تعزيز العلاقات مع دول الشرق الأوسط والخليج، إضافة إلى دول آسيان، ويترجم هذا النشاط إلى اتفاقيات ومبادرات تعزز مكانة ماليزيا كلاعب رئيس في القضايا الإقليمية والدولية.
زياراته المتكررة إلى المملكة ليست مجرد رمزية، بل تأتي في إطار توجه مدروس لتحقيق التكامل الاقتصادي وتعزيز التعاون السياسي، كما أن ترؤس ماليزيا المرتقب لدول آسيان يُتيح لها فرصة تاريخية لتلعب دور الوسيط بين آسيان والخليج، خاصة في ظل دعم المملكة لهذا التوجه.
أنور إبراهيم يُدرك أن مستقبل ماليزيا يكمن في بناء شراكات قوية مع القوى المؤثرة في العالم الإسلامي، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، وهي ليست مجرد شراكة اقتصادية، بل هي استثمار في مستقبل ماليزيا على الصعيدين السياسي والاقتصادي، من تعزيز التعاون في مجالات الذكاء الاصطناعي والطاقة النظيفة إلى دعم القضايا الإنسانية، تُظهر العلاقة بين البلدين نموذجًا للتحالف الذي يخدم مصالح الشعبين ويعزز من استقرارهما في عالم مليء بالتحديات.