فضل بن سعد البوعينين
في سؤال حول شرط توفر الكحول لضمان نجاح السياحة الساحلية السعودية، أوضح محمد آل ناصر، الرئيس التنفيذي للهيئة السعودية للبحر الأحمر لبودكاست 8 بأن الربط بين نجاح السياحة الساحلية ووجود المواد الكحولية أمر مجحف، وأن من يدعي كذلك عدم تأثر السياحة بوجود المواد الكحولية فهذا الرأي غير صحيح أيضا، فالأمر يعتمد على نوعية السياح، وتفضيلاتهم المختلفة. يمكن للسياحة عموما، والسياحة الساحلية على وجه الخصوص أن تنجح بمعزل عن توفر الكحول، والشواهد كثيرة على أرض الواقع.
التعامل مع محفزات السياحة بواقعية تعتمد المنهجية الإحصائية ودراسة السوق، ومناقشتها بشفافية وبإسلوب علمي، ومن ثم اختيار الأنسب منها، أمر مهم يسهم في تصور الواقع، والنتائج المتوقعة. فتحفيز السياحة المحلية لا يتطلب توفر احتياجات جميع شرائح السياح، بل توفير متطلبات الشرائح المستهدفة، والمتوافقة مع رؤية السياحة السعودية، والشرائح التي يمكن أن تستغني عن بعض متطلباتها في مقابل منافع سياحية أكثر وأجمل.
فبعض الدول المشهورة بسياحة الصخب، أعادت تشكيل إستراتيجيتها السياحية، من أجل تعزيز السياحة العائلية، وإستقطاب الرافضين لحياة الصخب، وفي مقدمها الأسر الخليجية الأكثر إنفاقا على السياحة، فابتدعوا مصطلح «السياحة الحلال»، الذي تحول إلى «السياحة العائلية».
بالرغم من غرابة المصطلح، وربما استفزازه، إلا أن تأثيره كان واضحا. لم يتوقف مفعوله عند تدفق السياح على تلك الوجهات السياحية، بل وعلى المستثمرين الخليجيين الذين ساهموا في ضخ استثمارات نوعية في قطاعي السياحة والإسكان، فخلقوا قطاعا متميزا للضيافة، وقطاعات سياحية وترفيهية وتجارية.
أتفق مع من يؤمن بأن الكحول لن يكون السبب الرئيس لجذب السياح، ونجاح المشروعات السياحية، بل ربما كان من أسباب نفور الشريحة الأكبر من السياح الباحثين عن السياحة العائلية، والهدوء والسكينة، والعلاج، والتسوق، والأنشطة البحرية، والجبلية، وإستكشاف المواقع المتميزة. فجذب شريحة محدودة مقابل خسارة الشريحة الأكبر من المؤثرات السلبية في عمليات الترويج السياحي. كما أن كثيرا من مستهلكي الكحول يمكن أن يتسغنوا عنها مقابل وجهات سياحية نوعية، تتميز، بالتنوع السياحي والمناخي والبيئي، وتوفرالشواطئ الجميلة، وقطاع الضيافة الفاخر ذا الجودة العالية، وتسهم في إثراء تجربة السائح، وزيارة مواقع تراثية وثقافية فريدة.
لم يعد الكحول مطلبا رئيسا في عدد من الوجهات السياحية العالمية، كما توارت أهميته، وربما اختفى عن غالبية اللقاءات الرسمية والاجتماعية في الغرب.
أما حياة الصخب فباتت مرتبطة بشريحة محددة، قَل الاهتمام بها في بعض الدول السياحية، التي تجتهد اليوم من أجل إعادة تشكيل هويتها السياحية والخروج من صورتها السلبية التي تشكلت في أذهان المجتمعات والسياح عموما، حتى باتت تعرف بالحاضنة لسياحة (الدعارة والخمور).
من المهم في مرحلة التحول الإقتصادي، وتنمية القطاع السياحي، وإنشاء المشروعات السياحية النوعية، الاهتمام برسم الهوية السياحية المتوافقة مع رؤية المملكة وقيمها، وأن تركز على قطاعات السياحة البعيدة عن حياة الصخب، والكحول، كسياحة التسوق التي أصبحت تحدد الوجهة السياحية للأسر في المنطقة، الأكثر إنفاقا، ومنفعة للإيرادات الحكومية غير النفطية، وتحفيزا للمستثمرين في قطاعي الضيافة والتجزئة والقطاع التجاري عموما، إضافة إلى سياحة المؤتمرات والمعارض، والسياحة الرياضية، والبيئية والعلاجية، والترفيهية وغيرها من أنواع السياحة الأخرى.
بناء الإستراتيجية السياحية، وليس السياحة الساحلية فحسب، إعتمادا على شريحة السياح غير المهتمين بالكحول والصخب، والتي تشكل ما نسبته 86% من مجمل السياح، في مقابل تجاهل ما يقرب من 14% من شرائح السياح الذين يشكل الكحول جزء من أسلوب الحياة الخاص بهم، أمر غاية في الأهمية للمملكة وللقطاع، بل يفترض أن يكون قاعدة التسويق السياحي ومن مدخلاته الرئيسة.
وخير دليل على نمو قطاع السياحة في المملكة برغم الأنظمة المتبعة، ما ذكرته وكالة بلومبيرغ في أحد تقاريرها الإعلامية، حيث أشارت إلى تسابق مشغلي الفنادق لوضع موطئ قدم لهم في السعودية بعد أن كان التفكير في ذلك مستحيلا، قبل ست سنوات فقط. سيغفريد نيرهاوس، نائب رئيس شركة H World International أشار إلى أن «أكثر من 250 ألف وحدة ضيافة ستُطرح في السوق، وهذا هو أكبر مسار استثماري للضيافة في العالم، لا توجد دولة أخرى لديها هذا العدد من الوحدات القادمة، إنها بالتأكيد السوق التي يجب أن تكون حاضرًا فيها».
كل ما سبق مرتبط بقطاع السياحة السعودي الذي يخلو من منتجات الكحول، ما يعني أن توفر منتجات الكحول لم تكن ضمن محفزات اتخاذ قرار الاستثمار في قطاع الضيافة، أو من مكونات دراسات الجدوى، كما أنه لن يكون من أسباب امتناع السياح الأجانب عن زيارة الوجها ت السياحية السعودية مستقبلا، وفي مقدمتها السياحة الساحلية.