د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
تركت الحرب التجارية إبان فترة ترامب الأولى في 2017 تأثيرات سلبية، خصوصاً التي نتجت عن انسحاب ترامب من الشراكة التجارية عبر المحيط الهادئ، تعهد ترامب بفرض رسوم تجارية 60 في المائة أو أعلى على السلع المستوردة من الصين، وهو ما يقود إلى عودة التوترات التجارية الدولية، وسيرفع تكاليف الاستيراد والتصدير، عوضاً عن الأساليب التي انتهجتها إدارة بايدن من خلال محاصرة الصين بمبادرات أوكوس بين الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا، لمواجهة الصين باعتبارها أصبحت المنافس الوحيد القادر على الجمع بين القوة الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية والتكنولوجية، وتحدي النظام الدولي المنفتح والمستقر، بجانب مبادرة كواد المشكلة من اليابان وأستراليا والهند إلى جانب الولايات المتحدة، رغم تردد استراليا والهند حذرتا من استعداء الصين، كل هذه المبادرات يرى ترامب أنها غير مجدية في التعاطي مع الصين.
يختار ترامب صقوراً للسياسة الخارجية من أجل مواجهة الصين، مثل ترشيح السيناتور ماركو روبيو لمنصب وزير الخارجية، والنائب مايك والتر مستشار للأمن القومي في البيت الأبيض، غداة تسميته النائبة ليز ستيفانيك، وجميعهم من صقور الجمهوريين المؤيدين لشعاري أميركا أولاً وفلنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى، وروبيو من الصقور المتشددين تجاه الصين، ومن أكثر أعضاء مجلس الشيوخ صراحة في الدعوات إلى مواقف أكثر عدوانية حيال الصين، وتبنى خلال إدارة ترامب الأولى بين عامي 2016 - 2020 بالدعوة إلى سياسة صناعية أكثر تنافسية مع الاقتصاد الصيني الموجه من الدولة، وشارك في اللجنة التنفيذية للكونغرس في شأن الصين، والتي تهدف على صياغة سياسة عدوانية تجاه بكين، ورعى في 2020 مشروع قانون منع استيراد السلع الصينية المصنوعة باستخدام العمالة القسرية من الأقلية الأيغورية في الصين، ووقعه الرئيس بايدن ليصبح قانوناً في العالم التالي.
بينما أوروبا لديها مخاوف من حرب تجارية تفزع القارة العجوز ليس فقط تجارية بل تخشى من فك الارتباط العسكري وفرض رسوم جمركية باهظة، وتخليه عن قضايا البيئة، بعدما رفع ترامب شعار أميركا أولاً متجاهلاً أولويات حلفائه الأوربيين.
هناك خشية من قبل الأوربيين أن يضرب ترامب الصناعات الأوربية الكبرى مثل السيارات والأدوية والآلات وفق تقرير لصحيفة نيويورك تايمز تحت عنوان أوروبا تستعد لترامب، أسوأ كابوس اقتصادي يواجه العالم قد يدفع منطقة اليورو إلى ركود في 2025، خصوصاً في ظل الاضطرابات السياسية في أكبر بلدين في أوروبا ألمانيا وفرنسا.
هناك ضغوط من ترامب على أوروبا لتقليص علاقاتها التجارية مع الصين، التي بلغ حجم التجارة البينية معها 739 مليار يورو، أي ما يزيد على 800 مليار دولار في 2023، فيما بلغت ذروة العلاقة بين جانبي الأطلسي في 2021 نحو 1.2 تريليون يورو، حاليا يبلغ تريليون دولار، يمكن أن يفرض ترامب رسوماً جمركية تصل بين 10 و 20 في المائة على صادرات الاتحاد الأوروبي، ما من شأنه أن يعطل النمو الاقتصادي الأوروبي، ولا سيما الاقتصاد الألماني، وسبق أن فرض ترامب على استيراد الألمنيوم والحديد الصلب الأوروبي في عام 2016 نحو 25 في المائة، ولكن آنذاك لم يكن الاتحاد الأوروبي مستعداً للتعامل مع هذه السياسات، لكنه اليوم أكثر جاهزية للتعامل مع الرسوم المقترحة، وسيكون هناك رد أوروبي قاسٍ على الولايات المتحدة.
هناك قضايا متعلقة بالطاقة المتجددة وحماية البيئة والمناخ، وهي مواضيع لا يبدو أن ترامب يعيرها اهتماماً، خصوصاً في ظل اعتماد أوروبي على الغاز الأمريكي كبديل للغاز الروسي، ما يعني أن هناك نقاط تصادم بين الجانبين.
هنا تظهر أهمية دول الخليج والسعودية بشكل أخص في تأمين دول الاتحاد الأوروبي بمزيد من الطاقة، تستثمر السعودية هذه الفرصة في مشاركة الاتحاد الأوروبي في إنهاء الصراع في منطقة الشرق الأوسط، لذلك عندما أعلنت السعودية عن تحالف لإقامة الدولة الفلسطينية تحالف عربي - أوروبي، وفي نفس الوقت تستفيد السعودية التي تقود دول مجلس التعاون كتكتل اقتصادي الاستفادة من حجم الاقتصاد الأوروبي الذي يبلغ 19 تريليون دولار، لم يعد فقط ركيزة مهمة للولايات المتحدة والصين بل حتى لدول مجلس التعاون بقيادة السعودية، لذلك أي خطوات غير مدروسة تؤدي إلى خطوات كارثية ليس فقط على المستوى الأوروبي بل على المستوى العالمي.
وهنا تستثمر السعودية العصر الجديد من الحمائية الاقتصادية لتنشيط اقتصاد المنطقة، والتحول إلى مركز اقتصادي عالمي، بعد تنفيذ ترامب تعهداته بفرض رسوم جديدة بحدود 60 في المائة على البضائع الصينية، ما يعني أن الشركات الصينية ستقوم باستكشاف أسواق جديدة لتصبح منافسة، ولا يوجد سوق أفضل من السوق السعودي الذي يتوسط ثلاث قارات، بالطبع سيكون هناك توازن بين القوة الاقتصادية والتجارة البينية.
كما مكنت الكهرباء والفولاذ والنفط على انعاش وإمداد الثورة الصناعية الثانية بالطاقة التي مكنت كلاً من ألمانيا وإمبراطورية اليابان والولايات المتحدة من أن تصبح قوى عظمى على الساحة الدولية، وأدى ظهور عصر الاستعمارية الجديدة، في حين فشلت الإمبراطورية الروسية والسلالة الحاكمة في الصين في مجاراة القوى الاستعمارية في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين يتكرر المشهد اليوم، وتظهر قوة سعودية تشارك في رسم المشهد الاقتصادي الإقليمي والعالمي في نفس الوقت، بسبب أن الجميع يتنافسون على السعودية في إقامة الطرق الاقتصادية المتعدية الحدود، من طريق الحزام والطريق الذي تقوده الصين، والممر الهندي الأخضر الذي تقوده الهند برعاية غربية، للوصول إلى السوق الأوروبي بشكل خاص، بسبب ضخامته بجانب الوصول إلى السوق الأفريقي الواعد.
** **
- أستاذ الجغرافيا الاقتصادية والسياسية سابقاً بجامعة أم القرى