رمضان جريدي العنزي
رُوي في قصص العرب، أن رجلاً كان يفتي كل سائل دون توقف، فلحظ أقرانه ذلك منه، فأجمعوا أمرهم لامتحانه، بنحت كلمة ليس لها أصل هي «الخنفشار» فسألوه عنها، فأجاب على البديهة: بأنه نبت طيب الرائحة ينبت بأطراف اليمن إذا أكلته الإبل عقد لبنها، قال شاعرهم اليماني:
لقد عَقَدَت محبتُكم فؤادي
كما عقد الحليبَ الخنفشار
إن قصة هذه الكلمة تكاد تكون منطبقة على البعض في التجمعات الاجتماعة في المجالس وفي المناسبات، في الإعلام، وفي مواقع التواصل على مختلف تنوعاتها، اعتقاداً من هؤلاء بأنهم أوتوا الحكمة والفهم والوعي والإدراك وقوة الاستنباط، ولديهم عذوبة لسان، وسحر كلام، ودليل قاطع، وبرهان ساطع، ومن غيرهم جاهل أبله لا يعي ولا يفقه، أن هؤلاء الخنفشاريين، أو أصحاب «الهبد» أو المتعالمين الجدد، أدعياء العلم والمعرفة، نجدهم يظهرون المعرفة بكل شيء، ولذلك نراهم يدلون بآرائهم من غير تحفظ ولا تؤدة، وكأنها حقائق مسلمة، لم يبقوا للعرافين والسحرة وضاربي الودع مكاناً، بل سدوا عليهم كل المخارج، وهنا تضيع المسألة، ويختفي التحليل المنطقي، والأسلوب العلمي، وتتفشى المعرفة الخنفشارية، لقد كثر الخنفشاريون من حولنا، وهم يمتهنون خنفشاريتهم في نشر المعلومة عن طريق استغلال النقل، والقص واللصق، وعدم تفعيل العقل، والخوض في ما يعنيهم ولا يعنيهم، من غير تخصص أو دراية كافية، أنهم يسعون بين المجتمع، وفي مناكب التواصل الاجتماعي بحثاَ عن الشهرة المزيفة في غير المألوف في اللبس والحركة والتهريج والتمنطق، حتى جعلوا من أنفسهم فطاحل في السياسة والاقتصاد، والفن والرياضة، وحتى في الطب، وتفسير الأحلام، وفق ثرثرة واسعة، ولغة جوفاء، ومفردة واهنة، أن الخنفشارية أصبحت ظاهرة سارية شديدة الخطورة، ويجب أن نتحصن من وبائها، وندعو الآخرين بالتحصن منها، ولا نجامل الخنفشاريين في آرائهم الرعناء، وفلسفاتهم المقيتة، وتخرصاتهم الرخيصة، ورجمهم بالغيب، علينا أن ننبذهم تماماً، ونبدي للعامة سوءاتهم.