د. نوف بنت محمد الزير
الألوان من دلائل القدرة الربانية التي جاء القرآن الكريم بتوجيه الألباب إليها، وحث العقول على التفكر في آياته ومعجزاته، كما في اختلاف ألوان البشر الذي قرنه الله تعالى بخلق السماوات والأرض قال سبحانه وتعالى:(ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين) وامتد ذلك إلى أشياء كثيرة من مكونات الكون الذي أحسن ربي كل شيء خلقه، ومن ذلك: ألوان الشهد الذي يخرج من بطون النحل حيث جعله جل وعلا آية من آياته، قال سبحانه: {يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (69) سورة النحل.
وتشعب ذلك إلى اختلاف ألوان الثمرات والزرع والدواب والأنعام والجبال وما ذرأ في الأرض آيات وذكرى لأولي الألباب. فسبحان الخالق العليم الذي أحسن كل شيء خلقه.
حكايات الألوان لا تنتهي؛ ما بين وجودها وتنوعها وبين ارتباطها بالشخصيات، ناهيك عن علاقتها الوثيقة بالمشاعر، ومؤشراتها الظاهرة في السلوك، وإيحاءاتها المتنوعة حيال المواقف، وتأثيرها المباشر في البيئات حتى تكوّن من ذلك كله علم مستقل مختص بعلم نفس الألوان!
لستُ بصدد الحديث عن نشأة الألوان وماهيتها، أو خصائص الشخصية التي تفضل لونًا محددًا، كمن يفضل اللون الأحمر، الأبيض أو الأزرق، ولا عن ترشحات الألوان المختصة بالمشاعر؛ فالحزين كثيرًا ما يركز على اللون الأسود، والمسالم يصطفي الأخضر، والمخذول في محور اللون الذي ليس له حتى اسم متفق عليه؛ إذ هو مزيج من الرمادي والترابي والكاكي!
والعجب أن من الألوان ما يحمل مؤشرات متضادة تشير إلى معان عكسية؛ فاللون الأحمر يعكس أرقى مسارات الحب: قلب أحمر وورد أحمر، في الوقت الذي تكون به معظم اللوحات والإشارات في كثير من الثقافات التي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالخطر والحذر والتوقف!
أما عن الإيحاء الذي يمنحه اللون للمواقف فعنه يمكن الحديث بلا أبعاد؛ فاللون الأبيض يعبر عن الطهارة والنقاء والصفاء والمصداقية وهو في الوقت نفسه في بعض الثقافات لون الموت وانتهاء الحياة!
وكثير من المتخصصين يركزون على ألوان محددة في بيئاتهم التصميمية؛ فتصميم المكاتب يصاحبه الألوان الرسمية التي تشعرك بالجِدِّ والإنجاز، في حين تجد أماكن الترفيه تصاحبها الألوان الانسيابية العفوية، وألوان البيوت تغاير ألوان المستشفيات، المطاعم، المتنزهات، المكتبات، المدارس، الجامعات والمصارف وغيرها.
الذي بدا لي الإشارة إليه أن ثمة أشياء بلا لون-أو هكذا يراها بعضهم- تُذكِّركَ كثيرًا بالأشياء التي ليس لها طعم!!
ما يجعلك تقف مندهشًا لا تستطيع تحديد هوية الحدث والموقف والبيئة والظروف ولا حتى المشاعر!
الأمر الآخر انعدام اللون، هل هو مسؤولية المشاهد أو المصمم أو صاحب الموقف!
بمعنى إذا رأيت أشياء بلا لون هل لأن هذه حقيقتها؟!
أو لأن لدى الرائي مشكلة بصرية تجعل الأشياء من حوله كذلك؛ كما هو حال المصابين بعمى الألوان؟!
أو حالة نفسية تجعل على أجوائه غشاوة فلا يكاد يُدرك إلا نزرًا يسيرًا مما يحيط به.
أو لأن هناك من يحاول أن يجعل رؤيتك لها كذلك!
والعكس تمامًا عند أصحاب الصحة النفسية والنظرة التفاؤلية؛ والتي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بكبار القلوب وأصحاب الحكمة وأرباب الألباب وأولي البصائر الذين يرون ما لا يراه غيرهم من الألوان الزاهية في مواقف يرويها أصحابها لهم بأرواح منهكة، وأنفس ذابلة، فيفتحون قلوبهم وبصائرهم ويشيرون بكل يقين إلى أن فيما يرون ويسمعون ويعانون ألوانًا بهيجة لا يستطيع الجميع رؤيتها الآن؛ ولكنها حتمًا ستظهر يومًا ليراها الناس بكل وضوح.
وقد يكون هناك نظرة متباينة؛ فما يراه زيد بلا لون قد يجد فيه عمرو أجمل لون!
كحال الطعام الذي لا تحبه قد تجده بلا طعم، في حين أنك قد ترى من حولك طوابير يدفعون لأجله الأثمان ويعدونه وجبة الحالمين!
كونك لا ترى للأشياء لونًا ولا تشعر بها لا يعني البتة أنها كذلك!
لعلك تُفتش في تفاصيل التفاصيل لتعرف الحقيقة الصادقة التي تحكيها الشمس حين تشرق كل صباح! فهناك من لا يرى ضوءها ولا يشعر بدفئها، والشمس هي الشمس كل صباح ستكون في محيطها بلغة كونية تستوعب العالم أجمع!
قد تُنكِرُ العينُ ضوءَ الشمسِ من رَمَدٍ
ويُنكرُ الفَمُ طعمَ الماء من سَقَمِ
أجمل فلسفة لونية في الحياة هو لون الصدق الذي تعيشه بقلبك وعينك ولسانك، ويمكنك أن تعكسه على الحياة، المواقف، الأشخاص والبيئات التي من حولك، فإذا كنت صادقًا سترى وتحس وتعيش ويشعر من حولك بصدقك وجمال حياتك وبهاء روحك وروعة تفاصيلك، ومن هو دون ذلك حتى لو كان في وسط كوكب الشمس فلن يراها وإن دخل ضوؤها في عروقه!
دامت حياتكم بألوان الصدق والتفاؤل عامرة!