د. محمد عبدالله الخازم
تعتبر عمليات التصنيف منتجاً تجارياً ربحياً للجهة المصنفة وتسويقي للجهة التي تشارك فيه، وتحقق الأرقام المتقدمة. حتى وإن لم تعلن الأهداف التجارية ففي النهاية الفكرة تنطوي على فلسفة السوق وما يُعرف بالتسليع لهذا النوع من الخدمات. تنمية الموارد وتعظيم الأرباح أمر تسعى له المؤسسات، بالذات التجارية منها.
التصنيفات تحاول وضع ترتيب (الأول/ الثاني/ الثالث/إلخ) أو (الأميز/ الأفضل/ إلخ) عبر معايير معينه يتم تحديدها. التصنيف لا يراعي العوامل المؤثّرة التي ينطلق منها المشاركون فما يبحث عنه النقاط فقط. ويمكن إيضاح المقصود بالعوامل التي ينطلق منها الجميع عبر ما يحدث في المسابقات الرياضية وعدالة أنظمتها الأولمبية التي تفرض بدء الجميع من نقطة/ فرص متكافئة، فلا يصارع ذوو الوزن الثقيل ذوي الوزن الخفيف، ولا تلعب النساء مع الرجال، ولا يسابق الأشبال الكبار ... إلخ. لأن الوزن والجنس والعمر واستخدام المنشطات وغيرها معايير تؤثّر على الأداء وبالتالي عدالة المنافسة...
وأبسط المفهوم بمثال عائلي. لديك ثلاثة أبناء تريد تحفيزهم للتميز، فتجري مسابقة / قياس في نهاية العام أيهم الأشطر في كسب الأموال، لتحتفل العائلة ويعلن الترتيب وتوزع الجوائز ... إلخ. قد لا ترى إشكالية هنا فأنت تبحث عن تطوير قدرات أبنائك، لكن السؤال الأهم، بما أنك الممول الرئيس لهم هل كنت عادلاً في منح كل منهم ذات المال والمميزات ليبدأ السباق من نقطة عادلة؟ هل هو عدل أن تستخدم معايير موحدة لقياس نجاحهم وأنت منحت أحدهم مليون والثاني مائة ألف والثالث عشرة آلاف؟
من هذا المنطلق، تفتقد عمليات التصنيف - رغم شيوعها- الصبغة العلمية الدقيقة والعادلة، سواء تصنيفات جامعات أم مستشفيات أم مدارس أم مطاعم أم غيرها. وفق فلسفة (التسليع) و(التجارة) تحظى التصنيفات بتسويق عال وتدفع الجهات الكثير للحصول عليها، أحياناً ليس قناعة بعدالتها ولكن خشية خسارة سباق العمليات التسويقية والشهرة و(البريستيج) ورضا أصحاب القرار وجلب مزيد من الموارد ... إلخ.
في الجانب الآخر هناك عمليات الاعتماد وهي أكثر موضوعية تعنى بالتأكد من توفر المعايير المهنية الأساسية في الأداء، كمعايير السلامة والحوكمة والتوثيق والشفافية والمحاسبية والعدالة وغيرها، والتي يرجى أن تقود إلى منتج جيد، وليس القيام بعمليات ترتيب وتصنيف وتفضيل..
الاعتماد والقياس مهم ولأجله أسست الدولة هيئات ومنظمات منحت الاستقلالية عن القطاع التنفيذي لأجل سلامة الإجراءات وتجنب تضارب المصالح. لدينا مثلاً؛ هيئة المواصفات والمقاييس، مجلس اعتماد المنشآت الصحية، هيئة تقويم التعليم (التي أطالب بتغيير مسماها لتكون هيئة القياس والاعتماد التعليمي وليس التقويم) وغيرها من الهيئات في مختلف المجالات. في عمليات الاعتماد هناك منتج/ مؤسسة تجتاز المعايير وأخرى تجتازها جزئياً (مشروط) وثالثة لا تتجاوزها، أما عملية التفضيل (هذا أميز وهذا متميز وذاك غير متميز) فتعتبر عن فكر تجاري تصنيفي وإن منحناها مسميات أخرى.
يبدو أن (هيئة تقويم التعليم) تجذبها فلسفة التسويق أو (التسليع) وتتحمس لعمليات التصنيف للمدارس والجامعات دون مراعاة لأسس التنافس والتي أوضحناها أعلاه. يقلقني خلط معايير التقويم مع معايير التصنيف وقيام جهة واحدة بهما لأسباب - ربما تحتاج إلى شرح آخر- تتعلق بمهنية وأخلاقيات أعمال التقييس والاعتماد والتقييم والتصنيف...
أخيراً، وفي سياق حفلة تصنيف المدارس، ما هو دور وزارة التعليم، وقد شاركت الحفلة؟
النتائج تشير إلى تباين في النتائج بين المدارس والمناطق التعليمة، مما يشير إلى خلل في عدالة توزيع الموارد والاهتمام، أليست تلك مسؤوليتها؟ ما هي خططها لردم فجوات الدعم والأداء والمخرجات بين المناطق والمدارس...؟