إعداد - عبدالله عبدالرحمن الخفاجي:
استضاف جاليري الفن النقي في مدينة الرياض معرض أحوال النور الفوتوغرافي لسمو الأميرة ريم الفيصل.
الأميرة ريم الفيصل، هي حفيدة الملك فيصل ملك المملكة العربية السعودية الراحل. ومصورة رائدة، حازت صورها الفوتوغرافية بالأبيض والأسود على شهرة دولية وتم عرض أعمالها في العديد من المعارض حول العالم.
حصلت الفيصل على شهادة في الأدب العربي من جامعة الملك عبد العزيز قبل أن تتابع دراستها في التصوير الفوتوغرافي في معهد سبيوس للتصوير الفوتوغرافي المرموق في باريس وتصقل خطها الفني.
طورت الفيصل في أعمالها لغة فوتوغرافية فريدة تمزج بين فلسفة الفن الإسلامي والشعر العربي، مجسدة جوهر رحلاتها إلى مواقع متنوعة في الصين ومصر وإيطاليا وتركيا والمغرب واليابان وسوريا. وهي تعتبر من بين المصورات القلائل اللاتي وثقن رحلة الحج بشكل موسع، حيث قدمت نظرة نادرة على هذا الحدث الثقافي والديني المهم.
في عام 2009، أسست الفيصل غاليري الربع الخالي في دبي، وهو أول غاليري مخصص حصريًا للتصوير الفوتوغرافي كما لعبت دورًا محوريًا في إنشاء فرع لمعهد سبييوس للتصوير الفوتوغرافي في مدينة دبي.
توجد صور الفيصل في مجموعات خاصة مرموقة ومؤسسات عامة مثل مركز السكاكيني في رام الله، فلسطين؛ المتحف الوطني الكوري في سيول؛ والمتحف الوطني الأردني.
تبقى ريم الفيصل ملتزمة بممارستها الفنية في مجال التصوير الفوتوغرافي التقليدي حيث تنظر إلى صورها من خلال عدسة الطباعة الأبيض والأسود لتعزيز عمق وعاطفة أعمالها.. ونظرًا لمساهماتها القيمة في الفنون، حصلت الفيصل على وسام الشرف الوطني الفرنسي (ليجيون دونور).
تضمن المعرض مجموعة إبداعية من الأعمال الفنية الفوتوغرافية التي وثقت من خلالها موضوعاً مهماً يتحدث عن مسيرة الحجاج بدايةً من ميناء جدة الإسلامي الذي يعد البوابة البحرية إلى المواقع المقدسة في المملكة العربية السعودية، إذ نستكشف مدينة جدة وننتقل عبر المواقع الرئيسية في مكة المكرمة والمدينة المنورة بما في ذلك منى وجبل عرفة ومزدلفة والجمرات والمسجد الحرام.
الأميرة ريم الفيصل، هي أوّل مصورة تصور ميناء جدة حيث تقول: «ذهبتُ إلى ميناء جدة ولم أكن أول مصور فوتوغرافي يدخل الميناء فحسب بل أول امرأة كذلك».
تقول عن مصدر الإلهام بالنسبة لها: «لاشك أن أعظم إلهام لي هو الشعر العربي والصور المفعمة التي يعكسها. إنّ ما يستهويني في التصوير الفوتوغرافي هو قدرته على اختزال مجموعة من الأفكار الفلسفية والوجودية المعقدة في صورة واحدة أو ضمن مجموعة من الصور، حيث إننا نجد هذا الشعر متجسدًا في صور متعددة والذي ينبع من سر الظلال، حيث يمكننا أن نرى خطوطًا سوداء جميلة متقاطعة ضمن لقطة واسعة».
وعن الحديث للقيمة الفنية فقد جمعت الفيصل بأعمالها الفوتوغرافية إبداعاً مختلفاً عن مجرد كونه توثيقاً لحدث ما، إنما كانت كل صورة هي عمل فني متفرد له تكوين وكتلة وفن وإبداع وموضوع وعناصر رئيسية والتسليط على الظل والنور واستخدام تقنية الفوكس بشكل احترافي لتوجيه عين المتلقي على بعض المفردات، حيث نرى في جل الأعمال نصاً بصرياً متكاملاً ينقل عين المتلقي إلى مفردات العمل بكل سلاسة دون انقطاع أو إهمال لأي مفردة في العمل المعروض.
وعن المعرض قال د. فهد الجبرين: ((عندما تكون العدسة أداةً للتعبير... وليست لالتقاط الواقع فقط.
يتناول معرض «أحوال النور» مفهوم التصوير الفوتوغرافي كأداة تعبيرية تتجاوز مجرد توثيق الواقع. يُقدم المعرض تجربة بصرية ثرية، مُبتعداً عن المظاهر التقنية السطحية التي قد تقع فيها بعض المعارض المعاصرة، والتي تركز على استعراض التقنيات الحديثة كالمرشحات والعدسات والمعالجات الرقمية بدلاً من ذلك، يرتقي المعرض بالصورة الفوتوغرافية من مجرد لقطة آنية إلى نص بصري مُحمل بالمعاني والدلالات، مُحركاً بذلك حواراً بصرياً عميقاً مع المُتلقي.
يكمن نجاح الفنان في هذا المعرض في قدرته على تجسيد الأفكار وتوزيع الكتل البصرية في تكوين مُحكم لعناصر الصورة. يتجلى ذلك أيضاً في التناغم والتوازن بين الخطوط والكتل والفراغات، مُؤسساً لعمقٍ معنوي يتجاوز البُعد البصري السطحي لتحمل كل صورة في طياتها طبقاتٍ من الدلالات، مُحولةً اللحظة العابرة إلى تجربة فنية ثرية تتجاوز حدود الزمان والمكان.
يُمثل «أحوال النور» معرضاً فنياً مُتكاملاً، يدعو للتفكر حول العلاقة بين الفن والحياة، ويؤكد قدرة التصوير الفوتوغرافي على تجاوز وظيفته التوثيقية ليُصبح لغةً بصريةً مُفعمةً بالتعبير الفني وقادرة على إثارة طيف واسع من المشاعر)).
وعن الأميرة ريم الفيصل قالت لاتيشا غيليمين - ترجمة أوريلي لاكوشي من الفرنسية -: ((ظلال وأضواء ما بين الأسود والأبيض، الظل والنور، الظلام والضوء، فإنك تراها جميعاً في أعمال الفنانة ريم الفيصل. وبصوت قوي وبهمسة صريحة ترى أن كل صورة تحكي أضواؤها حكاية وتحمل أصوات الصمت الداخلي، ففي هذه الصورة نرى حبلاً من الأضواء الذي يلتف حول قبة جامع آيا صوفيا في مدينة اسطنبول التركية، كذلك، ترى صورة الأرابيسك التي تم التقاطها من زاوية منخفضة تعكس الخط الرئيسي للقبة مشكلة قافية بصرية تمتع الناظر، فيما تعمل الظلال على تحويل الصورة على نحو يأخذنا برحلة إلى عالم فريد. لمسات ضوئية، زجاج ملون ومصابيح متنوعة تجتمع معاً في صورة واحدة بتوليفة متميزة، حيث تشكل هذه الصورة مقدمة مثالية لما تعكسه الفنانة ريم الفيصل عن فنها التصويري، حيث تقول «لا شك أن أعظم إلهام لي هو الشعر العربي والصور المفعمة التي يعكسها. إن ما يستهويني في التصوير الفوتوغرافي هو قدرته على اختزال مجموعة من الأفكار الفلسفية والوجودية المعقدة في صورة واحدة أو ضمن مجموعة من الصور، حيث إننا نجد هذا الشعر متجسداً في صورة متعددة، والذي ينبع من سر الظلال حيث يمكننا أن نرى خطوطاً سوداء جميلة متقاطعة ضمن لقطة واسعة». فمن أعلى البازيليكا وصولاً إلى الحواف المتعرجة للنوافذ الملساء، ترى أن تلك الخطوط وكأنها تسقط كحبات المطر الغزير أو كاستعارة معاكسة لخطوط أشعة الشمس. وهنا، تشق هذه الصورة لنا مرة أخرى مساراً بين الجو المحيط بدار العبادة والرحلة الروحانية.
إن صناعة الصور الفوتوغرافية باستخدام عدسة الكاميرا يمثل مواجهة فريدة مع العالم الأوسع، حيث تكون العين الخيط الرابط ما بين العالم الخارجي والداخلي، والتي تترجم كذلك هذه الخطوة كما وصفها ميرلوبونتي في كتاب «العين والعقل» بالقول: « للعين دور رائع في انفتاح الروح على الأشياء على عالم الأشياء المرحة وسيدها، الشمس. فمن خلال الرؤية يمكننا أن نستشعر ملمس الشمس والنجوم، بحيث نكون في كل مكان في اللحظة ذاتها، لدرجة أننا نستمد قوتنا على تخيل أنفسنا في أماكن أخرى من خلال ما تراه أعيننا».
تمر الصورة عبر النفق المغلق للكاميرا ومن ثم تنعكس في مرآة العالم الداخلي، وهذا ما تترجمه الصور الفوتوغرافية التي تلتقطها عدسة ريم الفيصل التي تعكس هذا البعد الخفي والخيال الخصب. انظر كيف تلتقي الأضواء والظلال معاً، وكيف يتشكل هذا الفضاء الفوتوغرافي، والتي تمثل جميعها عناصر مميزة لأسلوبها البصري.
ويشكل التصوير الفوتوغرافي بوابة للخيال الواسع، والذي يكون بقدر ما تشاركه الفنانة معنا كجزء من الواقع، أي واقعها، فهي تمنح الناظر الزمن للسفر من خلاله لكي يشكل صورته التي يفضلها. وبطريقة ما، يسعنا القول إن التصوير الفوتوغرافي يمكن أن يكون مرآة لروحنا، فهو يتيح أمامنا الفرصة للتعرف عليها ولكي يروي حكايته عبر صورها، واستشهاداً بالمقالة الرائعة لبول كلوديل، يمكننا القول إن عدسة ريم الفيصل تنصت لنا. فتراها تلاحظ، وتلتقط، وتترجم لحظات سرية قيمة بكل تواضع ودون إخلال بتفاصيل اللحظة التي تلتقطها عبر عدستها. فهاهي الصور الملتقطة للمصلين، سواء كانت في اسطنبول التركية، أو في إمارة الفجيرة التي توقف الزمن بنا وتدفعنا نحو مرحلة اللازمن، فترى الضوء الذي يخترق النوافذ الزجاجية الملساء في المسجد الأزرق ملتفاً بالمصلين مما يدفعنا للتعمق بالتفكير والتأمل.
إن هذا الأسلوب المتمثل في التناوب ما بين النور والظلام يعمل على خلق المشاعر التي تشير لأهمية وجود التناقضات/ الأضداد، فضلاً عن عامل الكثافة والمناطق الواقعة تحت الظل مقابل المناطق الواقعة تحت الأنوار الواسعة. كما توفر البقع المظلمة راحة بصرية بينما يستحوذ الضوء على اهتمامنا. أما هذه الأوركسترا البصرية فتعمل على نمذجة الفضاء الروحي مما يخلق المشاعر المختلفة. فيما تبدو لنا الموسيقى الموصوفة هنا من قبل هنري إليكان وكأنها تتجسد في الصورة ذاتها، حيث يعمل الضوء كقناة للتواصل الصامت مع الرجال في انحنائهم للضوء الإلهي. أما الظل فيشكل هنا جداراً يقيهم مما هو ملموس بحيث يختزل في صميمه سر إيمان أولئك المصلين. وبالمثل، تبدو المرأة التي يحيط بها الضوء الخافت من النافذة وكأنها منغمسة في صلاتها الخاصة. وفي هذه الصورة، تمكنت ريم الفيصل من إبراز قوة التأمل الصامت.
إن الجمال الظاهر في جميع تلك الصور يعتمد على التناوب الدقيق ما بين النور والظل، وحينما يتداخلان، نجد أن قوة تدفق الضوء وشفافية الظل يعملان معاً على ترجمة قوة التأمل الصامت. ولا بد من القول إن أماكن العبادة هذه تزخر بنوع من الروحانية الساحرة والأسود البعد الميتافيزيقي للفن، حيث يمكن للألوان الأخرى أن تشتت انتباه المرء بعيداً والفريدة.
خلال إحدى المقابلات، تقول الفنانة ريم الفيصل: «يعكس اللونان الأبيض عن الصورة ذاتها بينما يعمل هذان اللونان على توجيه جل تركيزه على الصورة». كما يتجلى ذلك البعد الميتافيزيقي بفضل الطبيعة الباهتة للونين الأسود والأبيض، حيث يخلق غياب اللون المساحة المطلوبة للرائي، فيما يعبّر عمق ذلك السواد عن الصدى الروحاني الفريد، والذي لا يمكن للألوان الأخرى تحقيقه. وفي الواقع، فإن صور شعائر الصلاة هذه تعبر عن مشاعر الفنانة ريم الفيصل: وذلك من خلال ذلك العمل العبقري المتمثل في الانفتاح الروحي والحياة التي تجسدها تلك الصور. ويمكننا أن نلاحظ هنا المشاعر المتجلية في الصور الفوتوغرافية كصورة ذلك الرجل التي تم التقاطها من الخلف، فنرى حركة جسده المتواضعة والمفعمة بالروحانية، فضلاً عن التفاصيل المتمثلة في طيات قميصه، والظلال ومنحنيات الزقاق حيث تمثل هذه العناصر مجتمعة العزلة التي يتلذذ ذلك الرجل بها بالإضافة لخشوعه. وعلى النقيض من ذلك، تدهشنا الصور الملتقطة لمناسك الحج بوضوحها ونقائها التام حيث يرتدي الجميع، رجالاً ونساء، اللون الأبيض والذي يعكس شعاع الإيمان، وتمثل الظلمة عامل التأمل بينما يمثل النور الرحلة إلى الأراضي المقدسة، إلا أن الجوهر الحقيقي للصور يكمن على الدوام بدرجة الاحترام والورع. ودائماً ما تستمد الفنانة ريم الفيصل إلهامها من الطبيعة، ومما تخفيه الروح ما بين السموات والأرض، ومن ثم تعمل على تشكيل عالمها من خلال الصور وهو العالم الذي تشاركه معنا في كل مرة. كذلك، فإنها تعكس هذا البعد الانطباعي في صورها للمناظر الطبيعية، كتلك الصور الفوتوغرافية التي التقطتها عدستها في إمارة الفجيرة والتي تمثل الصورة العكسية للعالم الروحاني، ومن ثم يتكشف لنا المكان فعلى الرغم من بساطة تكوين بعض الصور إلا أنها دائماً ما تعكس عنصر الصلابة والحزم. وعلى الرغم من انخفاض علوها، إلا أن تلك الأفق تذكرنا بالوجود الإلهي، ونرى في أحيان أخرى لمسة من الضوء، سواء كانت الشمس أو القمر، أو حتى سلك مصباح بسيط مثلما هو الحال في صور أماكن العبادة. وعادة ما يكون اللون الأسود أكثر نعومة وخفة، فنرى صورة المسجد في منطقة رأس الخيمة مرتفعاً في وسط الطبيعة كما لو كان جوهرة عالقة بين السماء والأرض. ولعل البساطة التي تنبع من هذه الصورة تستدعي أن نتذكر الصور الانطباعية للمناظر الطبيعية للفنان غوستاف لو جراي. يشير مفهوم المناظرالطبيعية إلى المفاهيم الفلسفية للإنسان في هذا العالم ولمفهوم الخيال مقابل مفهوم اللانهاية. إضافة لذلك، فإن امتداد الأراضي أمام أعيننا يساعدنا على إدراك وجودنا بشكل أفضل، فلدى التمعن في صور المناظر الطبيعية يتوقف الزمن ويطلق لنا العنان للتخيل، فهذه المناظر موجودة في دواخلنا ولا تشكل مرآة لجمال الطبيعة فحسب، بل لجمال أرواحنا العائمة كذلك.
«الأحلام تسبق الأفكار، حيث تمثل جميع المناظر الطبيعية تجربة واحدة قبل أن تتحول لصورة معينة، كما أن المشاهد التي نراها في الأحلام هي وحدها التي يمكن أن نراها بشغف جمالي. وطبقاً لغاستون باشيارد، فإن امتداد المناظر الطبيعية يعمل على تحريك الأحلام وتكوين الصورة في مخيلتنا». ونرى التدرجات الرمادية في الصور الفوتوغرافية في إمارة الفجيرة وكأنها ترسم ملامح مشهد طبيعي حالم، حيث إن هذه الظلال التي لا تميل للسواد التام ولا للأبيض الناصع تضفي على المشهد لمحة تصويرية تكاد تكون أقرب لاعتبارها لوحة مرسومة بريشة فنان. كما نرى ذلك الحوار لدى التفكير في المشهد والذي يوقظ مشاعر وأحاسيس معقدة بما في ذلك مجموعة كاملة من الأفكار والتصورات التي لا نبوح بها، فنتذكر بأننا لا نزال أحياء لدى النظر إلى تفاصيل الصورة بما في ذلك الهدوء المطبق لى المكان، وحدّة الجبال وشموخها، وارتفاعات أشجار النخيل المتنوعة، فضلاً عن رائحة الرمل ونعومة الغيوم. لقد تميز الفن الضوئي منذ نشأته، حيث يشكل التصوير الفوتوغرافي عالماً بصرياً يعبر عن نفسه عبر نقيضين اثنين ألا وهما اللونان الأسود والأبيض.
وبالنسبة للفنانة ريم الفيصل، يعتبر اللونان الأسود والأبيض أعلى مستوى في فن التصوير الفوتوغرافي لما يعكسانه من عمق ورمزية لا يمكن أن تعكسهما الصور اللونية. إضافة للفلسفة الأعمق التي تتمثل في تباين الدرجات الرمادية للحياة. وعادة ما تترجم الفنانة ريم الفيصل تلك الخصائص بصورها الفوتوغرافية باللونين الأسود والأبيض فضلاً عما تترجمه من علاقتنا بالعالم: ما بين الغسق والفجر، حيث تمنحنا عدسة المصورة الغذاء الروحي الذي نتعطش له)).
يأتي هذا المعرض بتفرد وتميز عن معارض التصوير الفوتوغرافي الأخرى كونه يتناول موضوعاً مترابطاً استخدمت فيه الفيصل إبداعها الفني أكثر من استخدام عدسات أو معدات تزيد من نجاح الصورة، حيث التكوين الفني وتناول الموضوع والعناصر الرئيسية بشكل إبداعي يعطي انطباعاً فنياً للمتلقي أكثر من كونه مجرد صورة فوتوغرافية.
** **
تويتر: AL_KHAFAJII