محمد سليمان العنقري
حفزت رؤية المملكة جميع الأنشطة الاقتصادية وركزت على استثمار رأس المال البشري بما أنه عماد تحقيق مستهدفات مشاريع وبرامج الرؤية للوصول إلى اقتصاد مزدهر وتنمية مستدامة من خلال حيوية المجتمع وحراكه الفعال والإيجابي لتحقيق طموحات الوطن بتنافسية عالمية تضعه بين أكبر خمسة عشر اقتصادا في العالم خلال العقدين الحالي والقادم، وتم تأسيس عشرات الهيئات والشركات الحكومية وتوسع القطاع الخاص بالتوظيف وهو ما فتح المجال لاستقطاب كوادر مؤهلة من مختلف القطاعات والأنشطة القائمة ساهم ذلك بحركة كبيرة في تنقلات الموظفين من خلال العروض الوظيفية ذات الدخل المرتفع، وكانت الأعين على الاكاديميين أعضاء كوادر التدريس بالجامعات من حملة شهادات الدكتوراة بحكم تخصصهم الدقيق وخبراتهم العلمية,
وبما أن غالبيتهم موظفون على نظام الخدمة المدنية فكان انتقالهم للعمل مع الجهات التي طلبتهم بنظام الإعارة وقليل منهم تفرغ بشكل كامل، لكن ظهرت بشكل كبير فيما بعد نظرة لدى طيف واسع من مجتمع الاعمال أن الاكاديميين تنظيريين فجلهم عاد لجامعته بعد نهاية إعارته، ونُظر لتجربتهم في الاعمال التي استقطبوا لها بأنها لم تكن بالمستوى المأمول، ويبقى ذلك هو رأي غير رسمي، أي انطباع أشخاص ليس أكثر، ولكن مع ترديده بشكل مستمر بدا يشكل صورة نمطية مغلوطة عن المستوى العلمي الذي يتمتع به حملة الدكتوراة، وذلك بحسب ما لمسه أيضاً بعض الاكاديميين عندما يحاولون الانتقال لأعمال ميدانية بحكم أن مداخيلها أفضل من سلم رواتب الجامعات؛ حيث تمثل البدلات النسبة العظمى من دخلهم، وهي لا تمثل ضماناً لاستمرارها وأيضا لا تحسب بنظام التقاعد أي أن الاستقطاع هو على الأجر الأساسي فقط، ولذلك كل من بحث عن فرصة خارج الجامعات كان هدفه تحسين دخله وأيضا رفع مستوى الأجر في نظام التأمينات الاجتماعية.
إن العلوم أساسها التنظير الذي يسبق التجريب، وكل من تخرج من الجامعات ويعمل لدى جهات رسمية أو شركات إنما تخرج من تحت يد الاكاديميين فهو ليس بأعلى منهم علماً ولا اطلاعاً وهم شريحة تمتهن البحث العلمي بشكل مستمر، والقول من افراد قد يشعرون بالخوف من منافسة الاكاديمي لهم بأنهم تنظيريون ظناً منهم أن ذلك يؤدي لتقليص فرص استقطابهم هو إجحاف بحق من علموهم أولاً، وعدم الاستفادة الصحيحة من شريحة تمتلك مهارات علمية واسعة فالعبرة بكيفية استفادة أي جهة منهم وكيف توظف إمكانياتهم وقد يكون من بين أفضل الحلول للاستفادة من قدراتهم هو ربطهم بعقود استشارية من خلال التعاقد مع الجامعات لتقديم أبحاث ودراسات، وذلك بنطاق واسع جداً وهو ما سيعظم الفائدة من علمهم ويحقق لهم دخلا مرتفعا إضافة إلى استمرارهم بالعمل الاكاديمي، كما أن من بين الحلول تنشيط توسيع عمل مراكز البحث العلمي لدى الجهات المسؤولة عن قطاعات اقتصادية ضخمة وواعدة، واستقطاب الأكاديميين لها سواء ممن ينتمون للجامعات أو من هم يحملون هذه الشهادات العليا من خريجي برامج الابتعاث أو أي شخص بحمل شهادة دكتوراة حيث يتجاوز عدد من يحمل هذه الشهادات حاجز 200 ألف تقريبا.
استثمرت الدولة بأبنائها ممن حصلوا على أعلى الشهادات ليكونوا عنصراً فاعلاً في التنمية ومحاولة بعض الافراد الانتقاص من أهمية التنظير هو جهل مركب ولا يدل إلا على غايات شخصية تحركها الغيرة الوظيفية غالباً، وليست قناعات دقيقة وإلا فإن من ينتقد تنظير الاكاديميين انما هو يسيء لنفسه ويقلل من مستواه العلمي لأنه درس عندهم وكانوا سبباً في تغيير مسار حياته للأفضل.