د. فواز كاسب العنزي
تحتل الرياضة في المملكة العربية السعودية اليوم مكانة بارزة، ليس فقط كوسيلة ترفيهية، بل كركيزة أساسية لتحقيق رؤية المملكة 2030 وأهداف التنمية المستدامة. وتبرز أهمية الإعلام الرياضي في تحقيق هذه الرؤية، إذ يمتلك الإعلام قدرة على توجيه الجماهير وتعزيز وعيهم بالقيم الرياضية الصحيحة، وإبراز دور الرياضة في دعم التنمية وبناء مجتمع صحي وواعٍ. ولكن، للأسف، نجد بعض البرامج الرياضية اليوم تعتمد على أسلوب «الصياح» والجدل الفارغ كوسيلة لجذب المتابعين، وكأن الصوت العالي والصدام هما معيار النجاح، بعيدًا عن المهنية والرسالة السامية التي يجب أن تحملها.
إن غياب الوعي الجماهيري أصبح عاملاً أساسيًا في نجاح هذا النوع من البرامج، حيث يتم التلاعب بالمشاعر وتضخيم الصراعات بين الجماهير، مما يؤدي إلى زيادة حالة التعصب والانقسام بينهم. يعتمد مقدمو هذه البرامج على إثارة الجدال واستفزاز مشاعر الجمهور، ويبدو أن الهدف الأساس هو تصفية حسابات شخصية أو تحقيق مصالح ضيقة، حتى وإن كانت على حساب المصلحة العامة وصورة الرياضة في المملكة.
خلال تحضيري لمحاضرة بعنوان «التعصب الرياضي وأثره على المجتمع»، لفت انتباهي ظاهرة خطيرة تتجسد في وجود الآلاف من الحسابات الوهمية على منصة «إكس». الهدف الرئيسي لهذه الحسابات ليس سوى تغذية التعصب الرياضي وإثارة الفتن بين الجماهير. من خلال المتابعة والتحليل، بدا واضحاً أن هذه الحسابات تعمل بتنسيق مستمر على نشر الخلافات وتعميق الانقسامات بين مشجعي الأندية المختلفة، مما يؤثر سلباً على المجتمع ويعزز التعصب بطريقة غير صحية.
هذه الحسابات الوهمية ليست وحدها المسؤولة عن نشر التعصب، بل تأتي ضمن سياق أوسع يشمل بعض البرامج الرياضية التي أصبحت تستفيد من إثارة الحماس بشكل مفرط ومن مشاحنات لا تحمل أي قيمة رياضية حقيقية. ولدت هذه البرامج كأنها نتاج «صدفة» تكرس التعصب بين المشجعين على حساب أمن المجتمع، حيث تستغل صراعات الأندية لبث الخلافات وتشجيع الألفاظ العدائية، متخذةً من الصدام والمشاحنات أسلوباً لجذب المشاهدين وزيادة نسب المشاهدة.
إننا بحاجة إلى الإعلام الرياضي ليكون رافدًا يدعم استدامة الوعي الاجتماعي، ويعزز دور الرياضة كأداة للتلاحم المجتمعي، وليس للتفرقة.
هنا يأتي دور «علم النفس الإعلامي» كإطار لفهم وتحليل أساليب التأثير التي يمارسها الإعلام على الجماهير. إذ يمكن للإعلام الواعي أن يرفع من مستوى الوعي الجماهيري، ويشجع الجماهير على متابعة البرامج ذات الرسائل الهادفة بعيداً عن البرامج التي تعتمد على الإثارة الرخيصة.
أهداف التنمية المستدامة والرؤية المباركة تقتضي تعزيز الإعلام الرياضي الاحترافي، الذي يدعم التنوع ويقدم مادة إعلامية تستهدف بناء مجتمع رياضي واعٍ. نتطلع إلى برامج رياضية تعكس روح المنافسة الشريفة، وتعمل على تعزيز ثقافة المواطنة وقيم الاحترام بين الجماهير، بعيداً عن استراتيجيات التصادم التي لا تجني سوى الإحباط والانقسام.
فهل نرى قريباً برامج رياضية احترافية تتجاوز هذا «العك البرامجي»؟ برامج تعمل على بناء إعلام رياضي هادف يحمل رسالة سامية، ويساهم في بناء مستقبل رياضي مستدام يدعم الرؤية ويخدم الوطن وأبناءه؟
** **
- أخصائي توجيه وإرشاد نفسي