حاوره - عوض مانع القحطاني/ تصوير - عبدالله المسعود:
عندما يكون لديك طموح وصبر ومثابرة فإنك تحقق ما تريده.. وعندما يصاحبك الكسل أو اليأس فإنك لن تحصل على ما تطمح إليه.. هناك نماذج كانت حياتهم في هذه الحياة صعبة.. ولكن بالصبر والتحدي نالوا ما يستحقونه وحققوا مكانة مرموقة في مجتمعهم..
لقاؤنا اليوم مع واحد من الرجال الذين خدموا الوطن، وهو اللواء مشبب بن سعد بن جلبان مساعد مدير الإدارة العامة للمرور في المملكة بعد 40 عاماً من الخدمة في العمل المروري في عدة أماكن من المملكة..
وإلى نص الحوار:
* أين كانت نشأتكم؟
• نشأتي كانت في بلاد شهران، في قرية زراعية يهتم سكانها برعي الإبل والأغنام وزراعة الذرة والبر، وهي قرية صغيرة تسمى قرية (الرشداء) في وادي بن هشبل وكان هناك سوق شعبي يجتمع فيه الناس كل يوم اثنين، ولا زال قائما إلى الآن..
* بدايتك مع التعليم.. كيف صارت؟
• وأنا في هذه القرية درست الابتدائية في عام 1383هـ وكانت المدرسة عبارة عن بيوت طينية، والحياة كانت صعبة نذهب إلى المدرسة على الأرجل وكان من المواقف أن الأمير سلطان بن عبدالعزيز عندما تم تعيينه وزيراً للدفاع جاء إلى الجنوب عبر البر وخرج الأهالي وطلاب المدارس لاستقباله، وقد عرض أحد المدرسين الأجانب على الأمير سلطان أن يزور هذه المدرسة، وبالفعل قام الأمير سلطان بزيارة هذه المدرسة ووجه ببنائها من جديد وتأمين مقاعد للدراسة؛ لأننا كنا ندرس على الأرض لأنها كانت من الطين ومتهالكة، وقد جلس الأمير سلطان في غرفة مدير المدرسة واستمع إلى متطلبات الأهالي في تلك الزيارة التي لم تكن مجدولة في رحلته على البر.
* كيف كانت رحلتك من الجنوب إلى الرياض؟
• بعد أن حصلت على الابتدائية فكرت في السفر إلى الرياض؛ لأن فرص التعليم والتوظيف كانت متوفرة، وبالفعل استأذنت من الأهل وركبت في (لوري) من خميس مشيط إلى الطائف ومن الطائف إلى الرياض في تكسي وكانت رحلة شاقة لأن الطرق كانت غير (معبدة).
* هل كان عدد الطلاب في المدرسة الابتدائية كبيراً في قريتكم؟
• أبداً كان عددنا في المدرسة في ذلك الزمن حوالي 8 طلاب لأن بعض الأهالي في هذه القرية وغيرها من القرى المجاورة لم يرغبوا في تدريس أبنائهم بحكم أنهم بادية ولديهم أعمال في رعي الأغنام والزراعة وعدم قناعتهم بالتعليم في ذلك الحين.
* ما هي أول وظيفة التحقت بها؟
• عندما وصلت إلى الرياض أخذت أبحث عن عمل، وقد حصلت على وظيفة في إمارة الرياض في مكتب الأمير سلمان عندما كان أميراً للرياض، كاتب في قسم العرائض أي شكاوى المواطنين.. ومكثت في مكتب الأمير -حفظه الله- 4 سنوات وأثناء ما كنت على رأس العمل درست الكفاءة المتوسطة ثم الثانوية في مدارس بن خلدون في شارع الوزير.. وعندما حصلت على الثانوية دخلت على الأمير سلمان -حفظه الله- آنذاك وطلبت منه طلباً وقال أبشر.. قلت أن التحق بكلية قوى الأمن لكي أتخرج ضابط فأرسلني لمدير شؤون الموظفين، وبالفعل أعطاني خطاب على الكلية.
* كيف كانت الدراسة في هذه الكلية؟
• كانت الدراسة قوية في العلوم والمجالات العسكرية والأمنية ومجالات التدريب وقد تخرجت عام 1397هـ ملازم وتم تعييني في مرور الرياض.
* كم جلست في مرور الرياض؟
• بقيت بعد تخرجي حوالي 13 سنة وأنا أعمل في مرور الرياض، ثم تم نقلي مدير مرور الخرج وبعد مرور الخرج مديرا لمرور تبوك، وعقب هذه الرحلة تم تعييني نائباً لمدير عام الإدارة العامة للمرور ووصلت إلى رتبة لواء، وتم إحالتي على التقاعد..
* هل واجهتك مصاعب في حياتك؟
• الحياة منها من المصاعب والمعقبات الشيء الكثير ولكن بالعزيمة والإصرار تستطيع أن تتغلب على هذه المصاعب، وكانت الحياة في الماضي ليس فيها رفاهية عندما كنت موظفا في إمارة الرياض لا يوجد عندي سيارة كنت أذهب على قدميّ من البيت إلى العمل وفي بعض الأوقات تكسي أو باص بـ 4 قروش، فلذلك الحياة كانت حلوة لأن المجتمع في ذلك الوقت قريبين من بعض.
* ما هي المصاعب التي كانت تواجهكم في المرور خاصة أنك عملت في أكثر من مكان في المملكة؟
• مشاكل الحوادث هي أكثر المصاعب التي تواجهنا، تقارير الحوادث يحصل فيها بعض الأخطار.. التهور في السرعة.
* هل التأمين عالج مشاكل الحوادث؟
• نعم 100 % خاصة قضايا الديات يحصل عند السائقين وفيات ولا يستطيعون السداد خاصة الأجانب.. ولا يوجد تأمين والكفالة صعبة في تلك الأيام وتبقى الشخص في السجن فترة طويلة.. ولكن في النهاية نعرض عنها للإمارة ويتم التسديد عن المعسرين من خلال لجان مشكلة في إمارة الرياض للإفراج عن السجناء المعسرين ودفع الديات عنهم، ولذلك يتم حل هذه المشاكل.. والتأمين عندما تم وضعه ريح الناس فمهما يكون عليه.. خاصة أن نسبة الحوادث في ذلك الزمن مرتفعة لأن الطرق كانت فيها مخاطرة وصعبة وكانت خط واحد. أما اليوم فلله الحمد أصبح لدينا طرق ليست موجودة في الدول المتقدمة.. وكان الناس يركبون جماعات في السيارة الواحدة فيحصل كوارث في الوفيات ويحصل هناك مآسي في الحوادث..
* هل تستطيع أن نقول بأن (ساهر) قلص هذه الحوادث وكذلك تطبيق الأنظمة والغرامات؟
• بالطبع استطاعت كاميرات المراقبة وساهر على الطرق السريعة بين مدن المملكة وداخل المدن من الحد من ظاهرة الحوادث المرورية كذلك الضوابط والغرامات ساعدت في تقليص الحوادث.. وأصبح هناك وعي عند الناس، كذلك مواقع التواصل الاجتماعي ساهمت في نشر الوعي..
* ظاهرة التفحيط في ذلك الوقت كانت تشكل هاجسا لرجال المرور.. كيف استطعتم التغلب عليها؟
• ظاهرة التفحيط كانت مشكلة لا يعلمها إلا الله.. كانوا يشكلون خطرا على المجتمع وعلى أنفسهم.. كان المفحطون ينظمون تجمعات وكانوا بالمئات ومتهورين، كان رجال المرور يعانون مشاكل.. أحد مشاهير التفحيط اعتزل هذه الظاهرة وأصبح اليوم داعية كما أن هذه الظاهرة اختفت لأنه وضع لها عقوبات صارمة جزاء من يفعل ذلك ومصادرة السيارة وعقوبات شرعية ولم تعد هناك مشكلة.
* هل تم إعادة النظر في أنظمة المرور في المملكة وما هي الخطوات التي عملت في ذلك الوقت؟
• نعم شكلت عدة لجان من عدة جهات، وتم تكليفي برئاسة هذه اللجان لإعادة النظر في الأنظمة المرورية حيث تمت دراسة نظام العام للمرور.. والمخالفات وجداول المخالفات والعقوبا ت والحوادث ورخص القيادة..
مدارس القيادة واللوائح التنفيذية وقد أخذنا بأحسن الأنظمة في الدول العربية ونظامنا حالياً من أفضل الأنظمة المرورية، ولا زالت هذه الأنظمة يعمل بها حالياً ولم يطرأ أي تغيير سواء في نظام العقوبات أو الغرامات..
* كم كان عدد الدوريات المرورية التي تعمل في الميدان في ذلك الوقت؟
• الدوريات التي تعمل في الميدان في مدينة الرياض ما يقارب من 12 دورية والساعة 9 مساء كل الناس في بيوتهم ولا يوجد سيارات في الشوارع وكل الدوريات يسلمون أعمالهم ويبدأ دوامهم عند الساعة 6 صباحاً كان ذلك عام 1387 - 1388هـ والآن انقلب النهار ليل.. والليل نهار، وتوسعت المدينة وكل الأسواق فاتحة والمطاعم نقلة كبيرة ومتسارعة، وأصبح عدد الدوريات بالآلاف والتقنية خدمت التوسع في العمل الميداني وهذه نعمة من الله علينا.
* هل كنت موجودا في العمل عندما حصل التفجير في مبنى المرور؟
• أنا خرجت من العمل قبل التفجير بربع ساعة، وأثناء ما كنت في الطريق إلى البيت جاءني اتصال من أحد الأصدقاء، وقال عندنا تفجير في المرور عدت مسرعاً فوجدت كارثة في المبنى ومن الزملاء في المكاتب ودخلت في مكتبي فوجدت الكرسي الدوار الذي أجلس عليه مقصوص قص من شظايا القزاز.. وحمدت الله أنني لم أكن موجودا وهذه إرادة الله.
* ما هو القرار الذي تمنيت أنك اتخذته قبل التقاعد؟
• الطموحات كثيرة، وقد تمنيت أن يكون هناك ميزة للأفراد الذين يعملون في الميدان خاصة الذين يداومون 8 ساعات في الأجواء الحارة، والعمل في الميدان مزعج وفيه خطورة فكم فرد حصل له حادث وهو في الميدان يحرر مخالفة، وأنا أعتبر العمل الميداني جبهة.
* ما هو العمل الذي تعتز أنك أنجزته؟
• هو تحديث الأنظمة المرورية من الصفر وهذه الأنظمة معمول بها حالياً ومعي زملائي الذين هم من أفضل الزملاء العسكريين والمدنيين.
* ومن هو مثلك الأعلى في هذه الحياة؟
• على المستوى العائلي مثلي الأعلى في هذه الحياة والدي ووالدتي وإخواني الذين وقفوا بجانبي.. أما على المستوى العملي والحياتي هو الملك سلمان لأنني عملت معه عن قرب وتعلمت منه الشيء الكثير فهو قدوة ونشيط يستقبل الناس ويعالج مشاكلهم وهو يحل مشاكل ليس في الرياض.. بل هناك من يأتون إليه من مناطق المملكة، ولا يرضى إطلاقاً تعطيل المعاملات، ولا يسمح بتأخير أي معاملة ولا يوجد في قاموسه الانجازغداً، فكل شيء يعمل في يومه.
* أين تكمن المتعة بعد التقاعد؟
• متعة التقاعد لا تعادلها متعة خاصة من يعملون في العسكرية أنا لم أحج إلا بعد أن تقاعدت، وبعد التقاعد زادت ارتباطاتنا بالأقارب والأصدقاء وقضاء حوائج العائلة، عمل برنامج رياضي زيارات مناطق المملكة عملت برنامج مع الزملاء.
* هل تؤيد إيجاد أماكن ترفيهية داخل الأحياء؟
• نعم ومن المفترض عدم الموافقة على أي مخطط ما لم يكن فيه أماكن ترفيهية ومسارات مشيء وحدائق ومواقف.
* كيف تجد اللحمة الوطنية؟
• نحن من أفضل الشعوب في العالم في اللحمة الوطنية والملك عبدالعزيز - رحمه الله - صنع لنا تاريخا ولحمة قوية من خلال توحيد سكان هذه الجزيرة على قلب واحد إخوان متحابين والانتماء واحد.. وتجد التكاتف والمحبة عند الكبار والصغار، ونحن نحمد الله على ما نحن فيه.
* كيف تنظر إلى رؤية المملكة 2030؟
• أصبحنا نعرف إلى أين نسير بفضل من الله ثم بوعي وحكمة هذا الشاب سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -رعاه الله- وهذه من المنجزات التي نفتخر فيها.
* كيف تنظر إلى السياحة في المملكة؟
• أنا متفائل بالسياحة في المملكة ولكن ينقصها الشيء الكثير.. المملكة تتمتع بمناطق خلابة وأجواء جميلة وبلدنا من أكثر البلدان في العالم فيها الآثار.. نحن في حاجة إلى زيادة التطوير في المناطق السياحية مثل زيادة الفنادق وتطوير المطارات خاصة مطار أبها الدولي وكذلك مراجعة أسعار التذاكر.
* ماذا أعطاك الوطن.. وماذا أعطيت الوطن؟
• أعطاني الوطن كل شيء وأنا أعطيت الوطن إخلاصي حتى خرجت من العمل وأنا نظيف.
* كيف تنظر إلى المبالغة في الديات؟
• أنا أتوقع لن يستمر هذا الوضع، ولن تستمر هذه المبالغات في الديات ولابد لمشايخ القبائل من وقفة جادة للحد من طلب هذه المبالغ؛ لأن عليهم مسؤولية كذلك، وتفتح للشباب التهور طالما هناك من يدفع وتفاعل مع طالبي الديات.. وأصبحت هذه مؤذية للناس.