د. فهد بن أحمد النغيمش
يوجد شيء ربما لم يفكر أحدنا أن يسأل فيه نفسه (هل أنا مُغفل)؟ يتأمل حياته ومجريات لقاءاته وكثير من تصرفاته مع الآخرين فيطلق حكمه على نفسه: هل أنا مغفل؟. هي عبارة فد تكون قاسية ومؤلمة وقد توحي بشيء من الغباء وعدم الفطنة والذكاء ومن الصعب أن يصم الإنسان نفسه بمثل تلكم الصفات غير الجيدة! لكن قبل أن أدلف إلى الإجابة إلى هذا السؤال دعونا نحرر مصطلح (المغفل) وماذا يعني ذاك المصطلح؟ وقد مر بنا مثل او قاعدة يتناقلها القانونيون بشكل كبير مفادها (القانون لا يحمي المغفلين) ومع ذلك فكلمة «المغفلين» ليس بالضرورة أن ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالقانون والنصب والاحتيال، بقدر ما تكون صفة أصيلة في البعض الذين يثبتون في كل موقف وفكرة أنهم مغفلون بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.
مُغَفَّلُ في «لسان العرب» هو الشخص الذي لا يملك الفطنة لمعرفة الحق من الباطل والصالح من الطالح والمنفعة من المضرة، وليس من التجني القول إن كثيراً من البشر هم «مغفلون»، والواقع أن هذا لا يتأثر في كثير من الأحوال بمستوى التعليم أو الوعي. فالمغفلون أشكال وأنواع عديدة، قد يكونون متعلمين وجهلة، أذكياء وأغبياء، فقراء وأغنياء، لكن سبحان الله يشتركون في نقطة معينة تظهر فيها معاني الغفلة والجهل والغباء في آن واحد. وقد ألف ابن الجوزي كتابا أسماه (أخبار الحمقى والمغفلين) يتحدث عن أخبار ومواقف الحمقى والمغفلين وما تحمله من روح الدعابة والفكاهة والتندر بقصصهم في ذلك.
في واقعنا اليوم مغفلون كثر ومتنوعون، نسمع بأخبارهم بين الفينة والأخرى وتطالعنا الصحف والتقارير بأحداثهم وأحوالهم ويعيشون بيننا وتحت نظرنا، أعرف شخصا وتعرفون أشخاصا وقعوا ضحايا ابتزاز وآخرون في قضايا نصب واحتيال خاصة في افشاء ارقام حساباتهم وتصديقهم للكثير من مدعي خدمة البنوك لم تنفعه حينها لا شهادة علمية ولا حتى فطنته أو دهاؤه! وهناك صنف آخر من المغفلين يصدقون كل شيء، يبحثون عن المال بأي طريقة، فيقعون ضحية للإعلانات المضللة التي تعج بها منصات التواصل الاجتماعي سواء في من يدعي ان المكاسب المالية لا تتطلب منك سوى ضغطة زر أو اشتراك بسيط دون أن يفكروا ولو للحظة أن الموضوع ما هو الا نصب واحتيال علني.
ويوجد نوع آخر مختلف لا يبحث عن المال بقدر ما يبحث عن السعادة، فتجد أحدهم يتابع مشاهير التواصل الاجتماعي بقوة يتلهف لسناباتهم والحديث عن حياتهم وسفراتهم وطلعاتهم ويصدق كل ما يقولونه عن انفسهم من أنهم يعيشون سعادة دائمة فيلهث لهث العطاش في صحراء قاحلة بالمتابعة والتصديق والتقليد، وشراء لكل ما يتم الإعلان عنه عن طريقهم ليتضح بعدها أنه وقع في شراك الحمقى والمغفلين، وكان ضحية مشاهد كذب واستعراض، وآخرون انبهروا بمساحيق الجمال للمشهورات والعارضات وقد اكتسين بأنواع الفلاتر والكريمات فرأوا جمالاً جذاباً وظنوا أن ذلك واقع وحقيقة وهو في الحقيقة كذب وخديعة! ثم نسأل: هل بيننا مغفلون؟
نعم، يوجد بيننا من حمله طيبة قلبه وسلامة صدره أن يعامل الناس بأخلاقه وصدقه ولكنه أخطأ حين فرّط في الثقة وبالغ فيها، ومن الجميل أن يكون المؤمن فطناً حاذقاً ذكياً كما قال عمر رضي الله عنه (لستُ بالخُبِّ، ولا الخب يخدعني).. وهي في ذاتها حكمة تقتضي الأخذ بها وتأملها، خاصة في عالم مليء ببشر ذوي أمزجة، وأهواء، وأفكار، وعقليات. عالم فيه الصادق والكاذب، والأمين والمخادع، والحكيم واللئيم!
وسؤالنا قائم ولا يزال قائماً: هل أنا مغفل؟.
وهذا هو السؤال الذي ينبغي أن يعيه كل من تمر به لحظات يتعرض فيها للخديعة والاستغفال في حياته، وفي هذا العالم الصغير الذي يجب أن يكون الواحد فيه حذراً جداً..، ليس بالضرورة أن يتم استغفالنا في النصب والاحتيال، فهناك من ركب موجة استغفال البشر باسم الدين، وآخرون يستغفلون غيرهم باسم الوطن، وهناك من يستغفلون الناس بمصطلحات ومسميات مختلفة، الهدف الأول منها المصلحة الشخصية فقط لا غير فلنكن على حذر ودراية وحكمة وبصيرة.