خالد بن عبدالرحمن الذييب
تمر علينا أحياناً أحداث يعزوها البعض لنظرية المؤامرة، فكل شيء خارج محيطنا مؤامرة، وكل ما يسبب فشلنا «مؤامرة»، ففكرة المؤامرة أصبحت هاجساً لدى البعض لدرجة أن شكّلت محور حياته واهتمامه، معتقدين أنهم «محور الكون» وأن البشرية ليس لها شيء يشغلها إلا التآمر على هذا الإنسان أو هذا المجتمع، فهل هذه حقيقة؟
بعد هذه المقدمة أعتقد أن الكثير سيعتقد أن الإجابة ستكون «لا» ولكن في الحقيقة فإن «نظرية المؤامرة» موجودة بشكل أو بآخر، ولكن ليست بالمبالغة التي يتحدث عنها من استسلم لها، واتخذها شماعة لكل أخطائه، وأصبحت حضناً لكل فشل ينتابه، وفي المقابل فإن عدم وجودها والاعتقاد بأن البشر من حولنا مجموعة ملائكة، وأننا في عالم «وردي»، وكأننا في جنة على سرر متقابلين، فهذا أمر يخالف طبيعة الحياة القائمة على الصراعات والتنافس، فالمحيط من حولنا ليسوا ملائكة وليسوا شياطين، بل جميعنا بشر فينا من قبس الملائكة وشرر الشياطين.
ولهذه الفكرة وجهان متضادان، الوجه الأول أن أصحاب المؤامرات يذهبون إلى من يُعتقد أنه يشكل خطراً عليهم، فهي لا تحدث إلا ضد من يُخشى منه ومن لديه بعض الإمكانيات والقدرات، أما الوجه الثاني هو أنها لا تنجح إلا مع من لديه ضعف ما في جزء معين من شخصيته وتكوينه، فإذا اعتقدت بالوجه الأول الذي ترى فيه ما يرضي غرورك وإحساسك بالأهمية وأن هناك من يتآمر عليك لتميزك، فيجب عليك الا تنسى الوجه الثاني وهو أن نجاح المؤامرة دليل ضعف في داخلك، وما ينطبق على الأفراد ينطبق على المجتمعات، والمؤامرة الخارجية مهما قويت فهي لن تشكل سوى 15-20 % من ضعف الفرد أو المنظمة، لأن الضعف الداخلي سيشكل النسبة الباقية.
وغالباً أن من يكيد لك في الخفاء لا يفعلون ذلك لأن هناك شيء شخصي ضدك، فلا شيء بينك وبينهم ولكن ـ أردت ذلك أم لم ترد ـ أراد القدر أن تكون في طريق مصالحهم لا أكثر.
وإذا قضت المصلحة فإن هؤلاء الأشخاص نفسهم يذللون العقبات التي في طريقك ويرفعونك فوق الأعناق ليس لشخصك أيضاً، ولكن يرون أنه لا يمكن لهم الاستمرار في الصعود إلا بوجودك، فعلى سبيل المثال من جرّب بعض ألعاب مدن الملاهي الخطيرة مثل قطار الموت وغيرها، فإنها في بعض الأحيان تنتظر ولا تتحرك إلا بوجود أربعة أفراد في المركبة الواحدة لحفظ التوازن، فيركب ثلاثة ويتم الانتظار لحين وجود شخص رابع، فإذا أتى الرابع أركبوه معهم وإذا أتى الخامس منعوه، الثلاثة في المركبة لا علاقة لهم بالرابع، ولا بالخامس، فكل ما في الأمر أن الرابع أتى في الوقت المناسب، بينما الخامس تأخر قليلاً.
أخيراً..
الكلام ينطبق عامة على الأفراد والمجتمعات..
ما بعد أخيراً..
الهشاشة الداخلية بيئة خصبة لنجاح أي خطة ضدك أو ضد منظومتك!