م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1 - الحداثة مصطلح أُطْلق لوصف مسيرة المجتمعات الأوروبية منذ عصر النهضة وحتى اليوم من النواحي الاقتصادية والسياسية والعلمية والأدبية والفنية وبقية مجالات الحياة، والتي أثرت بعمق في الحياة العامة من حراك وسلوكيات المجتمع اليومية.. كما أثرت على القيم والمفاهيم وحولت العادات والتقاليد إلى شيء من التراث، يعودون إليها في الاحتفالات والمناسبات الوطنية والدينية ثم تختفي بعدها.
2 - يؤرِّخ بعض المفكرين للحداثة بأنها بدأت مع عصر النهضة في القرن الخامس عشر الذي شهد أحداثاً عظاماً منها: اختراع المطبعة عام (1450م)، وسقوط القسطنطينية عام (1453م)، واكتشاف رأس الرجاء الصالح عام (1488م)، واكتشاف الأمريكيتين عام (1492)، وحركة الإصلاح الديني عام (1517م).
3 - تعرضت الحداثة خلال تاريخها إلى تحولات عميقة؛ الأولى كانت بفعل الثورة الصناعية في القرن الثامن عشر.. ثم شهدت تحولات أخرى أعمق بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية في النصف الأول من القرن العشرين.. واليوم نحن نعيش المرحلة الثالثة من الحداثة مع مطلع القرن الواحد والعشرين، حيث ثورة الاتصالات وانفجار التقنيات.
4 - الحداثة ليست مذهباً عقدياً أو تربوياً أو نظاماً سياسياً أو ثقافياً أو اجتماعياً، بل هي نقيض القديم والتقليدي، وهي انقطاع تاريخي عن كل المراحل السابقة.. هي أقرب إلى حالة النهوض أو التطور في أنماط التفكير والإبداع والعمل والسلوك.. هي حالة من التقدم إلى الأمام مع السعي الحثيث نحو تحريك النظرة الجامدة إلى الأشياء والأحداث والظواهر والأشخاص والأفعال والوسائل والنتائج في كل مجالات الحياة العامة والخاصة.. ويكون هذا التحريك ناعماً لطيفاً في أجزاء منه، ويكون مزلزلاً عنيفاً على شكل انقلاب ثقافي شامل في أجزاء أخرى.
5 - من ضمن تعريفات الحداثة أنها تعني السيادة على الطبيعة، والسيادة على الذات، والسيادة على المجتمع، من خلال العلم والتكنولوجيا.. كما عُرِّفت الحداثة بأنها مبادرة ثقافية واجتماعية وسياسية لكن بأخلاق الزمن الجديد.. أما الحداثة عند أهل الأدب فتعني المعاصرة وتَبَنِّي أشكال وأساليب وأنماط حديثة في الكتابة تلائم مفاهيم العصر.
6 - مصطلح الحداثة رُفع إلى درجة القداسة كما تم تلويثه إلى درجة النبذ.. فهو لدى البعض يعني الإبداع الذي هو نقيض الاتِّباع، والعقل الذي هو نقيض النقل، والانتقال بعلاقات الناس المجتمعية من مستوى الالتزام المقيد إلى الانفتاح المتحرر، ومن الاستغلال إلى العدالة، ومن الجماعية إلى الفردية، ومن سطوة الدولة الثيوقراطية إلى سيادة الديموقراطية.. وبين هذين الطرفين يجب على كل إنسان أن يحدد موقفه من الحداثة.
7 - الحداثة تجديد، وهي المقابل للتقليد الذي هو تكرار وإعادة إنتاج ما هو قائم.. أيضاً الحداثة تعني الفردية والوعي الفردي المستقل الخاص، بينما التقليدية تعني الجماعة والوعي الجماعي المترابط.. الحداثة تعني السير إلى الأمام ولا مكان فيها للرجوع أو النظر إلى الخلف، بينما التقليدية تعني الالتزام بالعادات والتقاليد والحياد عنها يعني الانحراف.. الحداثة هي القطيعة الكاملة مع الماضي بكل أحداثه وأشخاصه وأفكاره والنظر إلى المستقبل فقط.. بينما التقليدية هي تبجيل الماضي وتقديسه واتباعه.
8 - يقول المفكر الجزائري «بو مدين بو زيد»: البداية الحقيقية لكل حداثة هي تفكيك أسس ومناهج تفكيرنا النمطية والكشف عن العوائق التي تحجب عنا عيوبنا المنهجية والنظرية.