محمد سليمان العنقري
يدخل الرئيس الامريكي المنتخب دونالد ترمب البيت الابيض من جديد كثاني رئيس بتاريخ اميركا يفوز بولايتين غير متتاليتين في يناير القادم، لكن الملفات التي ستواجه ادارته أعقد وأصعب بكثير من الولاية الأولى له التي انتهت قبل أربعة أعوام فآثار جائحة كورونا الاقتصادية لم تختف في أميركا والعالم أجمع فسيواجه ملف التضخم والعجز بالموازنة، وكذلك بالميزان التجاري بالاضافة لمواجهة الفكر اليساري الليبرالي الذي خالف القيم والفطرة الانسانية، ولكن في التحديات الخارجية هناك ملفات ضخمة تبعاتها تمتد للداخل الامريكي بشكل عميق.
إن أبرز ما سيواجهه بدايةً هو قدرته على الوفاء بوعده الذي قطعه على نفسه بإيقاف الحرب الروسية الاوكرانية، وكذلك في غزة ولبنان، لكن ذلك قد لا يكون نهاية التحديات بل لو نجح بذلك فستكون خطوات مهمة نحو الاستقرار والسلم الدولي وانهاء معانات المدنيين المتضررين من هذه الصراعات إلا أن ما يشغل بال العالم هو كيفية مواجهته للتعددية القطبية التي تتشكل، وأصبحت واقعاً، هل سيتماشى معها ام يصطدم بها!
فاوروبا اليوم بدات تنظر إلى أنها يجب ان لا تبقى معتمدة على اميركا في تحقيق أمنها وهي بداية الانفصال عن المسار المطلق مع المصالح الامريكية، فقد أعلنوا انهم اصبحوا الداعم الأكبر لاوكرانيا في حربها مع روسيا، وهي إشارة لتراجع الدور الامريكي في الدعم الذي قدمته منذ بداية الحرب، واستعداد لاحتمال ان يوقف الرئيس ترمب اي مساعدة لاوكرانيا إضافة إلى أن موقفه معروف من ضرورة تحمل دول الناتو لأغلب تكاليف الحلف.
ولكن الاهم بالنسبة له هو الصين ومنافستها الاقتصادية لاميركا وتفوقها في الميزان التجاري وغزو السوق الامريكي بالمنتجات التي تغطي أغلب احتياجات المستهلكين مما قلص من حجم ودور الصناعة الامريكية بالاقتصاد، فهو سيسعى لتغيير هذا الواقع بدعم الصناعة ببلاده وفرض رسوم على العديد من المنتجات المنافسة للمنتج الامريكي والاقل تكلفة منه؛ فالصين اليوم ليست كما كانت قبل أربعة أعوام عندما غادر ترمب كرسي الرئاسة فهي تمثل ثقلا اقتصاديا دوليا كبيرا جداً، ومن خلال الحزام والطريق ضاعفت حجم تجارتها الدولية اضافة الى تعزيز قوة بريكس عالمياً الذي بدا يتوسع كحلف اقتصادي يضم كتلة سكانية ضخمة وحجم ناتج اجمالي كبير جداً، كما ان التحدي ليس اقتصاديا مع بكين، فما يرشح حالياً من تحالفها مع روسيا وكوريا الشمالية والذي سيكون للشأن الامني والعسكري الجانب الأهم فيه يمثل تكتلاً قوياً عسكرياً بسبب امتلاك الدول الثلاثة للسلاح النووي وتاثيرهم على شرق آسيا واوروبا بشكل اساسي وهو ما سيجعل التعامل معهم نابعا إما من مبداً احترام قوتهم والتوصل لتفاهمات تبعد شبح الصراعات بالعالم من جديد، أو الاستمرار بسياسات الاستنزاف الاقتصادي بالرسوم على البضائع الصينية والعقوبات على روسيا.
تحديات المرحلة القادمة أمام الادارة الامريكية كبيرة فالاقطاب الجديدة تريد تثبيت مكانتها الدولية اقتصادياً وسياسياً وتمتلك كل المقومات لتحقق ذلك، بينما أمام الرئيس ترمب تحدي بكيفية الحفاظ على التفوق الامريكي بكل الجوانب وحماية مكانة الدولار عالمياً ومنع نشوب الحروب وإيقاف القائم منها حالياً وانتهاج سياسات تعزيز التحالفات النافعة لاميركا، كما يلمح لها وعقد الصفقات فهي معادلة معقدة ولا يوجد ضمانات مطلقة لنجاحها، رغم وجود فائض قوة امريكي كبير جداً لكن تسارع التحولات العالمية قد لا يجعل لهذا العامل دورا حاسما وحده بنجاح إدارة ترمب في تحقيق أهدافها.