د. محمد بن أحمد غروي
يشير مصطلح «التزييف العميق» (Deepfake)، وهو مزيج من «التعلم العميق» و»التزييف»، إلى مقاطع فيديو شديدة الواقعية تم إنشاؤها لتشبه أشخاصًا حقيقيين. تستخدم مقاطع التزييف العميق شبكات عصبية تحلل مجموعات بيانات واسعة النطاق لتكرار تعبيرات وجه الشخص وسلوكه وصوته وأنماط كلامه. من خلال التلاعب باللقطات الحقيقية والصوت الذي يبدو أصيلاً، يصعب عادةً اكتشاف مقاطع التزييف العميق. يتوفر الكثير من البرامج المستخدمة في إنشائها على شبكة الإنترنت المفتوحة.
ومع الأسف، تكررت حوادث استخدام تقنية التزييف العميق في نشر محتويات مضللة وكاذبة في مجالات السياسة وغيرها في دول شرق آسيا وجنوب شرق آسيا، بشكل خاص خلال السنوات الخمس الأخيرة. ووفقًا للإحصائيات، شهدت منطقة آسيا والمحيط الهادئ زيادة بنسبة 1530 % في حالات التزييف العميق بين عامي 2022 و2023، وهي ثاني أعلى نسبة في العالم بعد أمريكا الشمالية. وقد شهدت فيتنام أعلى زيادة في حالات الاحتيال بالتزييف العميق في المنطقة (25.3 %)، تليها اليابان (23.4 %)، فيما شهدت الفلبين أعلى نمو في حالات التزييف العميق.
المتابع لشأن الانتخابات في المنطقة يرى جليًا دور التزييف العميق من بين التقنيات الجديدة التي لعبت دورًا في تغيير رأي الناخبين في آسيان، والتي أضحت تشكل تهديدًا في مجال السياسة والانتخابات والديمقراطية خلال السنوات الحالية والمقبلة. ومع صعود تقنية التزييف العميق، شكلت تهديدًا كبيرًا للديمقراطية في عامنا الحالي، وما قد يليه. وباستخدام تقنيات التزييف العميق ودون وجود وعي والتحقق من مصداقية مقاطع الفيديو المنتشرة، من السهل على مستخدمي الإنترنت -الذين تجاوز عددهم 89 % في آسيان - أن يتخذوا قرارات مغايرة أو يشكلوا صورة غير حقيقية حول المرشحين والأشخاص والتيارات السياسية.
مع توالي الأحداث الانتخابية في المنطقة وتعالي صوت التزييف العميق في الفضاء الرقمي، أقر البرلمان السنغافوري مؤخرًا قانونًا جديدًا من شأنه حظر التزييف العميق وغيره من المحتويات التي تم التلاعب بها رقميًا للمرشحين أثناء الانتخابات. ويحظر المشروع الجديد، الذي عُرف باسم نزاهة الإعلان عبر الإنترنت والمقدم من وزارة التنمية الرقمية والمعلومات، نشر محتوى تم إنشاؤه أو التلاعب به رقميًا إبان الانتخابات ليجسد مرشحًا بقول أو فعل لم يتم. وسينطبق القانون على الإعلانات الانتخابية عبر الإنترنت التي تصور الأشخاص المرشحين، كما أن أي محتوى منشور أو أعيدت مشاركته وحمل صفة التزييف سيصنف كجريمة جنائية. فعلى سبيل المثال، إبان انتخابات جرت في إندونيسيا انتشر مقطع فيديو للرئيس جوكو ويدودو وهو يتحدث باللغة الصينية، كما صورت مقاطع فيديو أخرى اثنين من المرشحين لانتخابات 2024 يتحدثان باللغة العربية ولاقت انتشارًا واسعًا.
آسيان ليست ببعيدة عن هذه المخاطر التي أصبحت تهدد العالم أجمع، فقد عملت الرابطة على مكافحة استخدام هذه التقنيات الحديثة في نشر الأخبار الكاذبة والتضليل، من خلال وضع دليل استرشادي لدول الرابطة وتكوين مبادرة المبادئ التوجيهية لإدارة المعلومات الحكومية في مكافحة الأخبار الكاذبة والتضليل في وسائل الإعلام، التي أُطلقت خلال رئاسة إندونيسيا لرابطة دول جنوب شرق آسيا لعام 2023 في إطار ركيزة قطاع المعلومات في المجتمع الاجتماعي والثقافي للرابطة، لتعزيز مساحة رقمية أكثر أمانًا ووعيًا للجميع. وتوافقت دول آسيان على إصدار إعلان وتطوير إرشادات مشتركة لمنع الأخبار الكاذبة والمعلومات المضللة، تدور حول إدارة المعلومات الحكومية من منظور الحكومة لمكافحة الأخبار الكاذبة والمعلومات المضللة في وسائل الإعلام.
تدلل الحوادث الأخيرة في دول آسيان وبعض دول آسيا على خطورة تقنية التزييف العميق على السياسة في هذه الدول، على غرار باقي دول العالم، بما يجعلها تعمل على التصدي لهذه الأخطار بسن القوانين والتشريعات التي يمكنها أن تحمي مواطنيها من خطر هذه التقنية ولابد من سن قوانين في المنطقة لحماية المستخدمين من تزييف الحقيقة من خلال التقنيات الحديثة.