محمد عبدالله القميشي
في إنجازٍ تاريخي يضاف إلى سجل المملكة الحافل بالعطاءات والمبادرات الرائدة، توّجت العاصمة الرياض بلقب «عاصمة البيئة العربية» للعامين القادمين في خطوة تعكس بجلاء حرص المملكة، بقيادة خادم الحرمين الشريفين وولي العهد على حماية البيئة وتحقيق الاستدامة، جاء هذا اللقب كجزء من فعاليات الدورة الـ35 لمجلس الوزراء العرب المعنيين بشؤون البيئة في جدة، التي ترأستها المملكة، مما يعزز دورها القيادي وريادتها في توجيه البوصلة البيئية إقليميًا ودوليًا.
حضور لافت شهدته الفعالية من كبار الوزراء العرب وممثلي المنظمات الإقليمية والدولية، حيث جسدت مبادرة «السعودية الخضراء» فخر الوطن بمشاريعها الاستثنائية لحماية البيئة. فالمبادرة لم تكتفِ بنيل جائزة «المشروع البيئي المتميز»، بل أثبتت بفضل رؤيتها الاستراتيجية أن المملكة تتبنى نموذجًا يُحتذى به في التنمية المستدامة.
يحمل هذا اللقب في طياته وعودًا حقيقية لمستقبل أخضر، إذ يمثل التزامًا بإطلاق سلسلة من البرامج والمبادرات لتعزيز الوعي البيئي. وتأتي مشاريع مثل «منتزه الرياض البيئي» و»محمية الملك سلمان» كأمثلة حية على جهود المملكة لترسيخ الاستدامة في العاصمة. هذا النهج يتماشى مع رؤية المملكة 2030، التي وضعت حماية البيئة كأحد محاورها الرئيسية، طامحةً إلى أن تصبح المملكة مركزًا عالميًا في الحلول البيئية المستدامة وملهمًا لدول المنطقة.
يأتي هذا التتويج ثمرة لجهود القيادة السعودية، التي استشعرت منذ وقت مبكر التحديات البيئية الملحة مثل التصحر وتدهور الغطاء النباتي. وفي ظل النمو السكاني المتسارع، تتعاظم أهمية الحفاظ على الموارد الطبيعية لضمان استدامتها، مع الأخذ في الاعتبار أن جودة الحياة وصحة المجتمع تستند إلى ممارسات بيئية رشيدة تقلل من التلوث وتسهم في خفض معدلات الأمراض المزمنة.
منذ إطلاق رؤية 2030، لم تكن الاستدامة مجرد شعار، بل تحولت إلى واقع حقيقي يشمل كل جوانب الحياة، من الحفاظ على الموارد المائية والتربة إلى حماية التنوع البيولوجي. وفي سبيل توسيع دائرة الوعي أطلقت المملكة برامج توعوية تهدف إلى تعزيز دور المواطن في تحقيق أهداف الاستدامة، إدراكًا منها أن النجاح في هذه المهمة يتطلب تكاتف الجهود وتعاون الجميع.
ويجسد الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد هذا الالتزام القوي تجاه البيئة، مشددًا على أن «حماية البيئة ليست خيارًا بل ضرورة». ويستكمل الأمير ذلك بإطلاق مشاريع كبرى تهدف إلى تحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي وحماية الموارد البيئية، معتمدًا على نهج شامل يمتد ليشمل مختلف أبعاد التنمية في رسالة واضحة أن المملكة ترى في البيئة مصلحة وطنية وأمانة أخلاقية.
وفي ظل هذه الرؤية، تعبر المملكة عن التزامها العميق بالقيم الإسلامية، التي تعتبر البيئة مسؤولية عظيمة وأمانة تجاه الأجيال المقبلة. إذ إن الإسلام يشجع على حماية الموارد، مما يعزز من إيمان المملكة بدورها الريادي، ويحث أبناءها على المساهمة الفاعلة في هذا المسعى البيئي النبيل.
من خلال هذه الخطوات، تواصل المملكة العربية السعودية السير نحو تحقيق مكانة مرموقة في العالم العربي، ملتزمةً بتطبيق استراتيجيات مبتكرة تضمن استدامة الموارد الطبيعية، وتُظهر للعالم أن التنمية الحقيقية ترتكز على احترام البيئة وصونها، راسمةً طريقًا أخضر يضيء حاضرنا ومستقبلنا.
إن التزام المملكة بهذا الطريق يجعل منها نموذجًا يُقتدى به في العالم العربي. نسأل الله أن يحفظ المملكة ويديم عليها الأمن والرخاء، وأن يوفقها لتحقيق رؤيتها الطموحة، لتظل منارةً للخير والإحسان ونموذجًا للتنمية المستدامة على مستوى العالم.