د. أحمد محمد القزعل
النخوة والشهامة هما من أبرز القيم العربية الأصيلة التي تعكس شرف النفس وكرم الأخلاق، وتشير النخوة إلى تلك الاستجابة الفطرية للدفاع عن المظلوم أو تقديم العون لمن يحتاجه في الظروف الصعبة بشكل يتجاوز الاعتبارات الشخصية والمصالح الذاتية، والنَّخوة هي كل ما تحمله النّفس من طبائع حميدة تحمل صاحبها على أفضل الأخلاق وأطيب الكلام وأحسن العادات. أمّا الشهامة فهي تجسيد لمكارم الأخلاق في المواقف التي تتطلب الجرأة والكرم والإيثار، حيث يتحلى الشخص الشهم بالكرم والشجاعة والمروءة ويقدم المساعدة للآخرين دون انتظار مقابل من أحد، وقيل الشَّهامة هي الحرص على الأمور العظام؛ توقعاً للذّكر الجميل عند الحقّ والخلق.
ولقد عاش العرب حياة صعبة شاقة نسبة إلى غيرهم من المجتمعات نظراً لصعوبة العيش، فكانت لديهم بعض الصفات المميّزة كالكرم والشهامة والنخوة والشجاعة، حيث كان الإنسان العربي يساعد غيره دائماً ثم توارثت الأجيال هذه الصفات حتى أصبحت عادات يشتهر بها العرب.
يُعتبر حاتم الطائي من أشهر الشخصيات العربية التي تجسد معاني النخوة والشهامة، حيث كان معروفاً بكرمه الشديد حتى أنه ذبح فرسه لإطعام ضيوفه في وقت قل فيه الطعام، وكان يقول معبراً عن شهامته واستعداده للتضحية من أجل الآخرين:
«إِذا كانت النفوس كِباراً
تَعِبت في مُرادِها الأجسامُ».
ولقد عُرف عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - نخوته وشهامته، حيث كان يتفقد رعيته ليلاً ويتأكد من أحوالهم، وعندما وجد امرأة وأطفالها يعانون من الجوع عاد بنفسه ليحمل كيس الدقيق على ظهره ويوصله إليها، وعندما حاول خادمه حمل الكيس عنه قال له عمر -رضي الله عنه-: أتحمل عني ذنوبي يوم القيامة!؟.
فالإسلام يعتبر النخوة والشهامة من الفضائل الحميدة التي يجب أن يتحلى بها المسلم، حيث يشجع الإسلام على تقديم المساعدة للآخرين والوقوف مع المظلومين والدفاع عن الحق، قال - عليه الصلاة والسلام -: (من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته) «صحيح مسلم». وقال تعالى: (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ)، (سورة البقرة: 148)، وهذا الحث على المنافسة في فعل الخير يعكس جوهر النخوة والشهامة في الإسلام.
ومن مقومات وجود النخوة والشهامة: الكرم والعطاء حيث يقدم الشخص الشهم كل ما يملك من وقت وجهد ومال لمساعدة الآخرين دون انتظار مقابل، والشهامة تستلزم الشجاعة في مواجهة الصعاب والتحديات سواء كان ذلك في الدفاع عن الضعفاء أو الوقوف في وجه الظلم، كما أن الشخص الشهم يفضل مصلحة الآخرين على مصلحته الشخصية، ويضحي بما لديه من أجل إسعاد الآخرين أو تلبية حاجاتهم، ومما يعزز من مكانة الشخص الشهم الصدق في القول والعمل حيث يثق الناس فيه ويعتبرونه ملاذاً آمناً في الأوقات الصعبة، والنخوة والشهامة تقتضيان الإنصاف والعدل فلا يميل الشهم إلى طرف على حساب آخر إلّا وفق الحق والعدالة.
ومن نافلة القول: فإن النخوة والشهامة هما من القيم الإنسانية الرفيعة التي ارتبطت بالتراث العربي والإسلامي، وهذه القيم ليست مجرد صفات شخصية بل هي من أسس بناء المجتمعات المتماسكة والمتعاونة، وإن تعزيز هذه القيم النبيلة في حياتنا اليومية يعزز من جودة العلاقات الإنسانية ويسهم في بناء مجتمع يقوم على الإيثار والعدل والكرامة.