جانبي فروقة
في السادس من نوفمبر 2024، حقق دونالد ترامب فوزًا انتخابيًا قويا أعاده إلى البيت الأبيض بعد أربع سنوات من مغادرته المنصب، متغلبًا على نائبة الرئيس كامالا هاريس. هذا الفوز التاريخي يُعد من اللحظات الفاصلة في السياسة الأمريكية، حيث نجح ترامب في استعادة ثقة الناخبين وإعادة تقديم نفسه كقائد قوي في مواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه البلاد.
فقد واجه ترامب خلال حملته تحديات قانونية متعددة، بما في ذلك إدانته بـ34 تهمة احتيال في نيويورك، وقضايا تتعلق بتدخله في انتخابات 2020 في جورجيا، وتحقيقات فيدرالية حول محاولاته لقلب نتائج تلك الانتخابات وتعاملاته مع وثائق سرية. على الرغم من هذه التحديات، تمكن من تحقيق عودة سياسية تاريخية، ليصبح ثاني رئيس في تاريخ الولايات المتحدة يعود إلى المنصب بعد خسارته بعد غروفر كليفلاند في القرن التاسع عشر. حيث إن غروفر كليفلاند هو الرئيس الأمريكي الأول الذي خدم فترتين غير متتاليتين في تاريخ الولايات المتحدة. فقد انتخب كليفلاند لأول مرة في عام 1884، ليصبح الرئيس الثاني والعشرين للولايات المتحدة. بعد انتهاء فترته الأولى، ترشح لفترة ثانية في عام 1888، لكنه خسر الانتخابات أمام بنيامين هاريسون، على الرغم من فوزه بالتصويت الشعبي، إلا أن هاريسون فاز في المجمع الانتخابي، وبالتالي أصبح رئيسًا.
وفي عام 1892، عاد كليفلاند للترشح للرئاسة مرة أخرى ضد هاريسون، وفي هذه المرة تمكن من الفوز، ليعود إلى البيت الأبيض كرئيس للمرة الثانية، ويصبح الرئيس الرابع والعشرين للولايات المتحدة.
وفوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2024م ضد نائبة الرئيس كامالا هاريس كان مدفوعا بعدة عوامل رئيسية أثرت في توجهات الناخبين منها الاقتصاد فالقلق المتزايد بشأن الاقتصاد كان له دور كبير في حسم الانتخابات حيث عانى العديد من الأمريكيين من التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة، وازداد القلق حول فرص العمل والقدرة الشرائية وركّزت حملة ترامب على معالجة هذه المخاوف، ووعد بتعزيز النمو الاقتصادي وإصلاح السياسات المالية، مما جعله خياراً جذاباً للناخبين الذين يبحثون عن حلول ملموسة. وكما نجحت سياسات ترامب الصارمة بشأن الهجرة في جذب أصوات الناخبين الذين كانوا يشعرون بالقلق تجاه الأمن الوطني وتأثير الهجرة على الاقتصاد فقد استخدم ترامب خطاباً حاداً ركّز فيه على أهمية ضبط الحدود وترحيل المهاجرين غير الشرعيين، الأمر الذي لاقى قبولاً كبيراً بين أنصاره، خصوصاً في الولايات المتأرجحة. وكما أظهر جزء كبير من الناخبين رغبة قوية في إحداث تغيير جوهري في توجهات البلاد، واعتبروا أن استمرار الحزب الديمقراطي في السلطة قد لا يحقق لهم هذا الهدف.
ونجح ترامب في استثمار الانقسامات الثقافية والاختلافات السياسية التي تؤججها حركته «لنجعل أمريكا عظيمة مجددًا» (MAGA)، مما جذب شريحة واسعة من الناخبين الذين يشعرون بالتهميش من قبل الطبقة السياسية التقليدية. وقد ركزت حملته على جذب الرجال والشباب والأقليات اللاتينية، معتمدًا على خطاب مستفز وفعال يجذب انتباه هذه الفئات واستطاع ترامب تقديم نفسه بصورة المرشح الخارجي المستعد لإحداث التغيير، مما جذب شريحة واسعة من الناخبين الباحثين عن نهج سياسي مختلف.
كما أسلفنا فقد أحرز ترامب تقدماً ملحوظاً في كسب أصوات فئات ديموغرافية جديدة، مثل الشباب وبعض الناخبين من الأقليات، وخاصة الأمريكيين من أصول إفريقية ولاتينية. استهدفت رسائله تعزيز الفرص الاقتصادية ودعم تطبيق القانون، مما جعله خياراً لشرائح لم تكن تقليدياً داعمة له. كانت استراتيجية الحملة الانتخابية للرئيس ترامب موفقة فقد ركزت حملته الانتخابية على الولايات الرئيسية المتأرجحة، وتمكن من تحقيق انتصارات حاسمة في ولايات مثل جورجيا وكارولينا الشمالية وبنسلفانيا وويسكونسن. هذه الاستراتيجية المحكمة ساهمت بشكل كبير في تحقيق الأغلبية المطلوبة من أصوات المجمع الانتخابي.
واستفاد الرئيس ترامب من محاولة الاغتيال المزدوجة التي تعرض لها وفسر الكثيرون ذلك على أنها دليل على استهداف الدولة العميقة له وأصبحت قاعدته أكثر تحفيزا حيث اعتبر الجمهور نجاته شهادة على قوته وبات ينظرون إليه على أنه المرشح الوحيد القادر على تجفيف المستنقع السياسي.
كما حصل ترامب على دعم مالي كبير من شخصيات بارزة من بينها إيلون ماسك الذي ضخ أموالا طائلة لدعم ترامب في ولايات رئيسية.
أضعف حكم الجمهور الأمريكي السلبي على أداء الرئيس بايدن في قضيتين أساسيتين - التضخم والهجرة فرص كامالا هاريس وعملت حملة ترامب على تحسين أدائها بين الشباب وقد فعلت حيث تحسن الأداء من 35 % في عام 2020م إلى 42 % هذا العام. واختار دونالد ترامب تعديل مواقفه من الإجهاض من خلال الإعلان أن كل ولاية يجب أن تقرر هذه المسألة بنفسها.
إن عودة ترامب للرئاسة تعني تغييرات جذرية في السياسات الداخلية والخارجية للولايات المتحدة. فقد أعلن ترامب نيته تعزيز سياسات الهجرة الصارمة، بما في ذلك الترحيل الجماعي للمهاجرين غير الشرعيين واستخدام القوة لضبط الحدود. كما أشار إلى استعداده للانتقام من خصومه السياسيين باستخدام النظام القضائي، ما يثير القلق حول مستقبل الديمقراطية الأمريكية. وفيما يتعلق بالسياسة الخارجية، يُتوقع أن يتخذ ترامب مواقف أكثر تشددًا تجاه القوى العالمية، ويعيد النظر في التحالفات الأمريكية التقليدية، مما قد يؤدي إلى مزيد من التوترات على الساحة الدولية وخاصة أن ترامب كان قد وعد بإنهاء الحرب الأوكرانية الروسية وكذلك حرب اسرائيل على لبنان وغزة. ومن المتوقع أن تتبنى إدارة ترامب نهجًا صارمًا تجاه الصين، باستخدام مزيج من الإجراءات الاقتصادية والعسكرية والدبلوماسية لمواجهة ما يراه تهديدات للمصالح الأمريكية حيث ستركز سياساته على تحقيق الاستقلال الاقتصادي الأمريكي، ومواجهة النفوذ الصيني عالميًا، وتقوية التحالفات لاحتواء قوة الصين في آسيا. هذا النهج قد يؤدي إلى زيادة التوترات مع تأثيرات كبيرة على التجارة العالمية والتكنولوجيا والاستقرار الإقليمي.
** **
- كاتب أمريكي