د. فهد صالح عبدالله السلطان
فخامة الرئيس ترامب يسرني أولاً أن أهنئك على الفوز بقيادة هذ البلد العظيم، كما يسرني أن أهنئ الشعب الأمريكي العظيم على انتخابك قائداً مخلصاً لهم خلال الفترة الرئاسية القادمة. واستناداً إلى تاريخك السياسي والاقتصادي الكبير وإلى ما عرف عنك من شجاعة وحكمة ورؤية ثاقبة أسهمت في تعزيز دور الولايات المتحدة في التنمية والاستقرار العالمي، أسمح لي سيادة الرئيس أن أدعوك لقراءة موضوعية لمشروع بناء علاقة استراتيجية فريدة مع وطني العظيم المملكة العربية السعودية، مستنداً في ذلك إلى تاريخ يصل إلى نحو 100 عام منذ أن التقى الملك عبدالعزيز بالرئيس روزفلت واستطاع هذان القائدان الفذان تأسيس وتأصيل علاقة متينة بين البلدين. علاقة استمرت حتى كتابة هذه الرسالة وهي تزداد قوة ورسوخاً.
بداية دعني سيادة الرئيس أن اعترف بأنني لست سياسياً ولا أجيد لغة الساسة ولست إعلامياً ولا أفهم فن الإشادة ولست موظفاً حكومياً فليس لي من غاية، ولكنني نشأت في بيئة أكاديمية مهنية موضوعية تستند في تعليمها الحديث إلى الأكاديمية الأمريكية ممثلة في جامعة بيتسبرغ بنسلفانيا وجامعة نيويورك الحكومية التي استقيت منهما جزءاً مهماً من معارفي وتحصيلي العلمي. وقبلها ولدت وتربيت في مجتمع ريفي سعودي عرف بصدقه وصراحته وبعده عن المجاملة. ولذلك سيكون حديثي لك حديثاً من القلب، حديث مواطن عادي يدين بوطنيته لهذا البلد الكريم ولمهنيته لبلدك العظيم.
فخامة الرئيس أسمح لي أن أذكرك بأن موضوع الشراكة الاستراتيجية هذه تتعلق ببلد فريد بكل ما تحمل كلمة فريد من معنى. فقط للتذكير ببعض خصائصه:
1 - المملكة تشهد استقراراً سياسياً فريداً منذ أكثر من مئة عام وقد استند إلى ذلك كثير من أعضاء الكونجرس عند اتخاذ قرارات استراتيجية مهمة تخص المملكة كالحالة عند بيع طائرات الأواكس في الثمانينيات.
2 - المملكة تقود مجتمعاً خليجياً وينظر العرب إليها ولقيادتها بالمحبة والاحترام.
3 - المملكة تحتضن مجتمعاً فريداً يحمل قيماً اجتماعية رائعة ويتميز بالجدية والاستقامة والانضباط، وقد أشار إلى ذلك السفير الأمريكي في الثمانينيات في نهاية فترته عندما سئل عن المملكة فقال: إنه يتمنى تربية أبنائه فيها. مجتمع يرتبط فيه الحاكم والمحكوم برباط الأسرة الواحدة في نموذج لا يدركه كثير من الإعلاميين خارج المملكة.
4 - المملكة العربية السعودية هي الدولة الوحيدة في العالم التي تقود ربع سكان الكرة الأرضية. يصلون إليها في اليوم خمس مرات، تعيش في قلب كل مسلم وينظر إليها على أنها وطنه الأم ويفديها بروحه وجسده. ولم ولن ينافسها أحد على ذلك حتى نهاية التاريخ.
وهذه المكانة الروحية جعلتها موطناً لكل الأعراق والثقافات مما جعلها في قلب الحدث تجاه السلام العالمي وهو ما يمثل أحد الأهداف الاستراتيجية للسلام العالمي الذي تنشده الولايات المتحدة الأمريكية.
5 - في الجانب الاقتصادي، المملكة تسيطر على ربع احتياطي النفط العالمي وتضع ذلك كله في خدمة استقرار الأسعار العالمية وهو ما يصب في خدمة كافة الشعوب. كما أن المملكة تحتل مرتبة متقدمة في حجم الصادرات والواردات العالمية (واحدة من أكبر 25 دولة).
6 - عن البعد الجغرافي والاستراتيجي، المملكة تحتل مركزاً جغرافياً فريداً فهي بوابة الشرق والغرب ومحور حركة التجارة العالمية. وقد سخرت هذا الموقع في خدمة حركة الاقتصاد والتجارة العالمية وأنشأت طرقاً وسككاً حديدة وموانئ تصب في خدمة الاقتصاد العالمي.
7 - المملكة بلد مفتوح على ثقافات الآخرين وحضاراتهم ففي تراثنا «الحكمة ضالة المسلم أنى وجدها فهو أولى بها». حالياً، يعيش بيننا ويعمل معنا أكثر من 123 جنسية (بما فيهم أصدقاؤنا الأمريكيون)، يشاركوننا في بناء حضارتنا ونقاسمهم خيرات بلدنا.
8 - عرف عن المملكة أنها بلد سلم وسلام. عندما سئل أحد رؤساء المنطقة البارزين عن سبب حبه للمملكة أجاب لأنها بلد سلمي ليس لها أطماع خارج حدودها.
وباختصار، يكفي أن المملكة تحتضن مكة والظهران. فهنا الروح وهناك الثروة، وفي اجتماعهما الغنى والتمكين والنصرة والسلم والسلام.
وفي الطرف الآخر فإنك فخامة الرئيس تقود بلدا عظيما، بلد ينتج أكثر من 25 % من الثروة الاقتصادية العالمية، بلد يحتل أقوى ترسانة عسكرية في العالم وأفضل مراكز بحث وجامعات عالمية وأكثر المصانع احترافية وأنجع المراكز الطبية على الكرة الأرضية وأكثر مساعدات إنسانية، قاده في السابق وسيقوده خلال الفترة القادمة رجل يمتلك كاريزما عالية وشجاعة مغلفة بالحكمة هو أنت.
هنا تكمن قوة الشراكة بين هذين القطبين الفريدين. لذلك لعلنا سيادة الرئيس نتجاوز الوقوف عند القضايا الجزئية إلى الهموم والقضايا الأممية الإيجابية التي تهم الشعبين وشعوب العالم كافة. السيد الرئيس لم يكن كتاب الكاتب الأمريكي ريتشارد كارلسون: لا تهتم بصغائر الأمور ليحتل أكثر الكتب مبيعاً في الولايات المتحدة لولا أنه كان متفقاً مع ثقافة وميول الشعب الأمريكي في تجاوز صغائر الأمور إلى همومها.
Don»t Sweat the Small Stuff--and it»s all small stuff. Richard Carlson
السيد الرئيس، لعلنا نبني على الخصائص الفريدة المشار إليها في البلدين وعلى العلاقة الحميمة التي تربطك بقادتنا لبناء شراكة استراتيجية مع صديقيك الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد، شراكة استراتيجية تاريخية فريدة لا يقتصر أثرها الإيجابي على البلدين فقط، بل يتعداهما إلى العالم باسره. فقوة الجميع أكبر من قوة مجموع اجزائه. عندما زار الرئيس كنيدي محطة ناسا الفضائية وجد عند مدخلها عامل نظافة يقوم بغسل الأرضية سأله الرئيس عن ماذا يعمل فأجاب «نحن زملائي وأنا نعمل على مساعدة الرجل الأمريكي للصعود على سطح القمر». نعم، مشاركة التوجه والعمل الجماعي قوة.
فخامة الرئيس أمامنا فرص تاريخية نادرة لن تتحقق إلا بشراكة استراتيجية صلبة. ففي البعد الاقتصادي – على سبيل المثال فقط - لا أستطيع أن أحصي البرامج الاقتصادية الواعدة التي يتوقع أن تحققها شراكتنا على المستوى المحلي كالبرامج الاقتصادية الجبارة التي تعيشها المملكة حالياً وعلى المستوى الإقليمي كبرامج ومشاريع إعادة إعمار مشاريع البنية التحتية لعدد من دول المنطقة بمشاريع تتجاوز تكلفتها أكثر من 3 تريليونات دولار.
نعم شراكتنا ما زالت قائمة ومتينة ولكنها تحتاج إلى إعادة هيكلة لتستجيب بشكل أكبر لتحديات المرحلة وظروف المنطقة، وتحويل التحديات إلى فرص. لعلك تتفق معي أنها فرصة تاريخية لبناء شراكة استراتيجية صلبة مع بلد يحمل خصائص فريدة ويجمع بين حكمة الكبار وطموح الشباب. ربما تكون بصمة تاريخية لكم تضم إلى سجلكم الحافل.
وكمواطن سعودي يحمل هماً أممياً
فإنني (هنا، أتحدث عن نفسي) انتظر بفارغ الصبر هذه الشراكة التي سيكون لها إسهام كبير لا يقتصر مردوده على البلدين فقط، بل يتعدى ذلك إلى التنمية البشرية والاستقرار العالمي وتنمية المجتمع الدولي بأسره. كل التقدير لكم سيادة الرئيس. وفق الله الجميع لتحقيق النمو والاستقرار العالمي.