د.عبدالله بن موسى الطاير
ليس عالم ترامب كما عنونت الإيكونيميست صفحتها الأولى فحسب، بل إنها ظاهرة ترامب العابرة للأحزاب والدول والقارات. الأمريكيون عاقبوا الحزب الديمقراطي بقسوة، وأوشكوا على تركيز السلطات الثلاث في يد الجمهوريين فيما لو استمر التفوق في مجلس النواب؛ سيكون الرئيس ترامب مرتاحاً كثيراً على الأقل لمدة عامين، فإن أحسن إدارتهما فسيجد الدعم للعامين الآخرين في الانتخابات النصفية عام 2026م.
لن أخوض في التفاصيل، فالأيام القادمة ستختبر الرئيس المنتخب، وقد يستطيع تغيير أمريكا إلى الأبد، وقد تروضه واشنطن بعد أربع سنوات عجاف بعيداً عنها. إنه رجل أعمال سينهي ولايته ويعود لأعماله، ولذا فحساباته دقيقة جداً. العيون جميعها على اليوم الأول له في البيت الأبيض، وعلى المكتب البيضاوي أكثر من أربعين وعداً، لا أدري هل سيتسع لها ذلك اليوم أم أن ساعاته ستزيد على 24 ساعة.
خلال ثانيتين من اليوم الموعود سيطرد المستشار الخاص جاك سميث الذي وجه إليه الاتهامات، ورفع قضيتين فيدراليتين ضده. وفي طريقه سيعاقب المدعين العامين والقضاة الذين أشرفوا على قضاياه الجنائية المتعددة، وسيبدو الأمر وكأنه لحظة الانتقام، يمارسها دكتاتورياً ليوم واحد، ولأنه يريد أن يكون عادلاً فسوف يطلق سراح بعض المدانين في أعمال الشغب التي وقعت في السادس من يناير 2021م، ولن يشمل ذلك الذين أخذهم الحماس فأسهموا في فوضى خارج نطاق القانون، الحديث هنا عن أكثر من 1530 متهماً، أقر أكثر من نصفهم بالذنب، وفقًا لوزارة العدل الأمريكية.
في اليوم ذاته سيغلق الحدود، ويعطي الإشارة لشركات النفط بالمزيد من التنقيب، وسوف ينهي فظائع الصفقة الخضراء حسب تعبيره، ملمحاً بذلك إلى سياسات المناخ والطاقة لإدارة سلفه، إنه يهدف من وراء ذلك إلى هزيمة التضخم واصماً الصفقة الخضراء الجديدة، بعملية الاحتيال الخضراء الجديدة، ووصفها بأنها «ربما تكون أكبر عملية احتيال في التاريخ»، ولقد وعد أنصاره بوقف مشاريع طاقة الرياح البحرية «في اليوم الأول» إذا انتُخب. إنه ببساطة لا يعادي البيئة، ولكن للاقتصاد ضروراته، وهو يرغب في إصلاح الاقتصاد الأمريكي.
أما أكثر الملفات إثارة فهو الهجرة غير الشرعية التي ستكون حاضرة في اليوم الأول، حيث أخبر مناصريه بأنه عازم على ترحيل ملايين المهاجرين الذين يعيشون في الولايات المتحدة دون سند قانوني. ولأنه مولع بالتميز، لذلك وعد في اليوم الأول بإطلاق أكبر برنامج ترحيل في التاريخ الأمريكي لإخراج «المجرمين»، على حد وصفه، وقال: «سأنقذ كل مدينة وبلدة تم غزوها واحتلالها، وسنضع هؤلاء المجرمين الأشرار والمتعطشين للدماء في السجن، ثم نطردهم من بلدنا بأسرع ما يمكن»، وفي يوم لاحق قد يحدث تغييراً جذرياً في قانون الجنسية وبخاصة اكتسابها التلقائي بالولادة.
الإعلام الأمريكي يتحدث عما يقدر بنحو 11 مليون شخص من المهاجرين غير القانونيين، وتقدر بعض المصادر تكلفة ترحيل مليون مهاجر غير قانوني بأكثر من 88 مليار دولار سنويا، وبإجمالي 967.9 مليار دولار على مدى أكثر من 10 سنوات، وفقًا لمجلس الهجرة الأمريكي.
ولأن ترامب كما هو ليس عدواً للبيئة فإنه يقدم نفسه على أنه ليس ضد الهجرة، ولكنه سيحسن الكيفية، حيث ينوي في يومه الأول منح الطلاب الأجانب البطاقة الخضراء عند تخرجهم من الكليات. في هذا الصدد قال: «(ما) أريد أن أفعله، وما سأفعله، هو أنك تتخرج من كلية، أعتقد أنه يجب أن تحصل، تلقائيًا كجزء من شهادتك، على بطاقة خضراء لتكون قادرًا على البقاء في هذا البلد»، مضيفاً «إنه لأمر محزن للغاية أن نفقد أشخاصًا من هارفارد ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا ومن أعظم المدارس»، هذا التحول المهم سيسهم في جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى، فهي بلد قائم على استقطاب العقول. ليس هذا فحسب وإنما منذ اليوم الأول سيتوسع في منح تأشيرات العمل للعاملين في مجال التكنولوجيا، وهو ما يتناقض مع الصورة التي حاول خصومه ترويجها له على أنه معاد للأجانب وضد الهجرة على إطلاقها.
قائمة الوعود التي رصدها الإعلام الأمريكي وبخاصة المعارض للرئيس المنتخب سيتم تحديثها، وسيراقبه خصومه لمعرفة إلى أي حد يستطيع الوفاء بما التزم به أمام الناخبين. ظني أنه قادر على الإنجاز، ولكنه أيضاً محترف في إيجاد المخارج. وإن 20 يناير لمنتظريه قريب.