د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
بعد فوز ترمب في الانتخابات الأمريكية وأصبح الرئيس الـ47 للولايات المتحدة، سبق في خطاب ترمب في الأمم المتحدة في ولايته الأولى في سبتمبر 2019 في الجمعية العامة للأمم المتحدة صرح بأن المستقبل لا ينتمي إلى المنادين بالعولمة، اعتبرها مارست تأثيرا قويا على الزعماء السابقين، مما تسبب في تجاهلهم لمصالحهم الوطنية الخاصة، وطالب بالتركيز على قضايا السلم والتجارة العالمية ونزع السلاح النووي.
وفيما يتعلق بالتجارة الدولية، انتقد الممارسات الصينية، وأن الولايات المتحدة ملتزمة باستعادة توازن علاقتها التجارية مع الصين، وطالب ترمب بالسلام والتعاون والمنفعة المتبادلة مع الجميع دون الاضرار بمصالح الدول، وهذا لا يعني أنه تتوافق دعوة ترمب مع توجهات اليمين التي أصبحت تميل بقوة نحو الانعزال والعزلة والتقوقع داخل الدولة القومية، مع درجة كبيرة من التوجس حول الدول التي اجتمعت داخل تحالفات واندماجات وتكاملات عابرة للحدود الوطنية، رغم ذلك الاتجاه ضد العولمة احتل دائرة الاهتمام العالمي بعد انتخاب ترمب في 2016، لكن ترمب كان بشكل أساسي ضد عولمة الهجرة التي جعلت الولايات المتحدة نوعا من سفينة نوح عليه السلام تضم المهاجرين غير الشرعيين بشكل خاص.
لكن مناهضي العولمة يعتبرون انسحاب ترمب في 2017 من اتفاقية الشراكة التجارة عبر المحيط الهادئ مع 12 دولة تعزيزا لتوجههم ( الولايات المتحدة، اليابان، ماليزيا، استراليا، نيوزيلندا، كندا، المكسيك ) التي وقعت عام 2015 وتمثل 40 في المائة من الاقتصاد العالمي، واعتبر ترمب الانسحاب من الاتفاقية شيئا عظيما للعامل الأمريكي بعد إلغاء كامل اللوائح والضرائب المفروضة على الشركات من 35 في المائة إلى 15 أو 20 في المائة التي تحافظ على توفير فرص عمل في الولايات المتحدة، في المقابل هدد ترمب الشركات إذا نقلت نشاطها خارج الولايات المتحدة بفرض ضريبة حدود عليها باهظة، في المقابل وقع اتفاقية تجارة حرة مع أمريكا الشمالية نافتا، تشمل الولايات المتحدة وكندا والمكسيك، وهو رد على مناهضي العولمة أن ترمب ليس مناهضا للعولمة، بل يبحث عن مصالح الولايات المتحدة الوطنية، ويناهض أي تجارة حرة تهدد الأمن الاقتصادي داخل الولايات المتحدة.
بعيدا عن توجه الولايات المتحدة بحكم موقع السعودية الجيوستراتيجي بين الشرق والغرب استطاعت مواجهة التحديات الجيوسياسية عالميا بفضل متانة الاقتصاد السعودي، باعتبار السعودية مركزا إقليميا ودوليا عابرا للحدود، فيمر عبرها طريقان هما الحزام والطريق والممر الهندي الأخضر الأوروبي الذي تطمح الدول الإقليمية والدولية المشاركة فيهما ونقل مقراتها إلى المركز الإقليمي في السعودية الذي بلغ بنحو 540 مركزا إقليميا يفوق مستهدف رؤية المملكة 2030 المقدرة بنحو 500 مقر إقليمي للشركات بحلول 2030.
بسبب أن السعودية في ظل الاضطرابات الإقليمية زاد الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 70 في المائة منذ إطلاق الرؤية حتى الآن، وكانت السعودية ثاني أكثر الاقتصادات نموا في مجموعة العشرين، واستهدفت السعودية 3.3 تريليونات دولار من الاستثمار المباشر، وعدد تراخيص الشركات الدولية عشرة أضعاف ما كان عليه قبل الرؤية، وفي مجال السياحة انتقلت السعودية من صفر إلى 100 مليون زيارة سياحية خلال 2023.
نجد العالم يجتمع في الرياض في مؤتمر مبادرة الاستثمار في نسخته الثامنة تحت شعار أفق لا متناه .. الاستثمار اليوم لصياغة الغد، شارك فيه 5 آلاف ضيف و500 متحدث يتناقشون في 200 جلسة بموضوعات متعددة بما فيها موضوعات إقليمية أبرزها دور إفريقيا في الاقتصاد العالمي، الاستقرار الاقتصادي والتنمية العادلة، ومكافحة التغير المناخي، إلى جانب الذكاء الاصطناعي والابتكار والصحة والقضايا الجيوسياسية.
الشركات أصبحت مقتنعة بالقطاعات الاستراتيجية في السعودية، حيث بدأت تنظر في تفاصيل المشاريع والفرص التي تختلف باختلاف القطاعات، فمثلا تشارك في صناعة الأدوية واللقاحات التي تفوق حجم السوق السعودي والخليجي، باعتباره سوقا صغيرا ومحدود نسبيا، لذلك يتم استقطاب شركات عالمية لتسويق المنتجات في الأسواق العالمية، فتم توطين 11 دواء وهناك 44 منتجا جديدا.
كما يستفيد قطاع الألمنيوم من قطاع السيارات الكهربائية التي تستخدم المعدن بشكل أكبر، وسوف تتعدى السعودية إنتاج 300 ألف سيارة في 2030، والعمل قائم مع شركات السيارات الثلاث الرئيسية سير ولوسيد وهيونداي في كيفية استقطاب تيرا 1 وتيرا 2، ولن تتوقف عند هذه الشراكات، بل ستتجاوزها إلى شراكات أخرى باعتبار أنها تمتلك مقومات صناعة السيارات محليا وتسويقها إقليميا ودوليا لديها القدرة على منافسة السيارات الصينية والأوروبية والأمريكية.
** **
- أستاذ الجغرافيا الاقتصادية والسياسية بجامعة أم القرى سابقا