صبحي شبانة
تنعقد القمة العربية الإسلامية في العاصمة السعودية الرياض في ظل تحولات سياسية عالمية، وفي ظل ظروف أكثر تعقيداً بعد أن اتسعت دائرة الحرب الإسرائيلية لتشمل الجنوب اللبناني إلى قطاع غزة الذي يتعرض للعدوان منذ أكثر من عام، وفي ظل أوضاع عالمية تنبئ بالتغير بعد عودة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية، وهو الذي وعد أثناء السباق الانتخابي بوقف الحرب في كل من لبنان وغزة، وأكد دعمه لحل الدولتين وهو المطلب الذي تنعقد من أجله القمة العربية الإسلامية توطئة لإحلال السلام العادل في منطقة الشرق الأوسط التي ذاقت ويلات الحروب على مدى أكثر من خمسة وسبعين (75) عاماً.
يقيناً جاء اختيار توقيت انعقاد القمة العربية الإسلامية في هذا الموعد اختياراً يتسم بالوعي والذكاء والفطنة من حكومة المملكة العربية السعودية، ويحمل رسائل مزدوجة إلى كل من إدارة جو بايدن التي تتأهب للرحيل بعد أن فشلت في لجم إسرائيل ووقف الحرب على غزة ولبنان، وفشلت في إدارة الأزمات والصراعات والملفات في مناطق عدة حول العالم، وإدارة دونالد ترامب التي تتهيأ لتسلم مقاليد الحكم لمدة أربع (4) سنوات مقبلة، وتتباين حولها الآراء بين التفاؤل الحذر، والتشاؤم عطفاً على انحيازيات إدارته في الفترة الأولى التي كانت مليئة بالتحديات والأوبئة، ويقيناً أيضاً أن هذه الفترة (بعد أن اكتسب الخبرات) ستكون أكثر استقراراً وفاعلية على منطقة الشرق الأوسط، وكل الآراء تصب في أن النسخة الجديدة من ترامب سوف تكون أكثر رشداً وهدوءاً وانحيازاً لبسط الهدوء في العالم، ووقف الحرب في كل من أوكرانيا ولبنان وغزة، والتفرغ لإدارة الاقتصاد العالمي في مواجهة الصين وللصالح الأمريكي.
كل الدلائل تشير إلى أن القمة العربية الإسلامية المقبلة لن تكون كسابقتها التي انعقدت في بدايات العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وبعد مرور شهر واحد فقط، إذ تأتي القمة المرتقبة في ظروف مغايرة بعد أن أعيت الحرب الممتدة لأكثر من عام الأطراف المتحاربة، ولم يتمكن أي منهم من تحقيق أهدافه، وتكبد الجميع خسائر بشرية وعسكرية فادحة وغير مسبوقة، في ظل فشل إسرائيلي ذريع في مواجهة الصمود الفلسطيني والدعم الدولي والعربي الذي نتج عنه جر إسرائيل إلى محكمة العدل الدولية واقالة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لوزير دفاعه يواف غالانت من منصبه، والمظاهرات التي تجتاح الشارع الإسرائيلي للمطالبة بوقف الحرب والدخول في مفاوضات لتبادل الأسرى الفلسطينيين والإفراج عن الرهائن الإسرائيليين، وتعنت رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي قد يجر المنطقة إلى حرب إقليمية بين إسرائيل وإيران التي من جانبها تتزعم وترفع شعار وحدة الساحات العسكرية في مواجهة الكيان الإسرائيلي والتي ّوسعت من دائرة العنف والمذابح والهدم والتدمير من غزة إلى لبنان، وأعطت أسباباً ومبررات فعلية لإطالة أمد حرب الإبادة، وتمدد العدوان الإسرائيلي في المنطقة وتهديد الأمن الإقليمي والملاحة الدولية في جنوب البحر الأحمر ومضيق باب المندب التي تسيطر عليه مليشيات الحوثي.
وبعد أن حسم دونالد ترامب المعركة الانتخابية وفاز بالرئاسة الأمريكية فمن المنتظر أن تلعب إدارته دوراً رئيساً في دفع وتوجيه اتفاقيات السلام بين عدد من الدول العربية وإسرائيل، إذ سبق لها أن دعمت اتفاقيات أبراهام، التي شملت السلام بين إسرائيل ودول عربية مثل دولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين، ومن المنتظر أن تدفع باتجاه سلام إضافي أو تعيد تقييم هذا المسار بناء على رؤى جديدة للسلام في المنطقة بعد العدوان الإسرائيلي على كل من قطاع غزة وجنوب لبنان، وينظر الفلسطينيون إلى دونالد ترامب بقلق نظراً لمواقفه المعلنة الداعمة والمؤيدة لإسرائيل، وينتظر الفلسطينيون موقف إدارة الرئيس دونالد ترامب من حل الدولتين ومشاريع الاستيطان وهو الذي وعد أثناء السباق الانتخابي بإنهاء الحرب في الشرق الأوسط وإبرام هدنة في قطاع غزة، التي تشهد حرباً جاوزت العام، كما يترقب المجتمع الدولي كيف ستتعامل الإدارة الأمريكية الجديدة مع الملف الإيراني، سواء من حيث مواصلة الضغط على إيران بفرض المزيد من العقوبات، كما يعد الصراع في اليمن هو أحد الملفات الشائكة، بعد أن أصبح المجتمع الدولي أكثر اقتناعاً بعد حرب غزة بخطر الحوثيين على أمن الممرات المائية الاستراتيجية في مناطق سيطرتهم في مضيق باب المندب جنوب البحر الأحمر.
حالة من الارتياح تعم دول الخليج بعد عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، فللرئيس الأمريكي وعائلته علاقات ود وصداقة تشكلت خلال فترة إدارته السابقة، وحضر جاريد كوشنر صهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ومستشاره مطلع يناير 2021، قمة مجلس التعاون الخليجي في مدينة العلا بالمملكة العربية السعودية إلى جانب مسؤولين أمريكيين آخرين في الوقت الذي كانت إدارة صهره دونالد ترامب تلملم أوراقها لمغادرة البيت الأبيض بعد فشله في الانتخابات التي حملت جو بايدن إلى الرئاسة الأمريكية.
لذا تنتظر دول الخليج عودة العلاقات الخليجية - الأمريكية إلى سابق عهدها، من حيث استقرار العلاقات والتعاون الدفاعي والتكنولوجي والاقتصادي، وإبرام الاتفاق الدفاعي الذي كان مرتقباً بين الرياض وواشنطن وهو من بين الملفات على قائمة الانتظار الذي تشترط السعودية لإبرامه إيقاف الحرب الإسرائيلية المدمرة ضد غزة والإقرار بحق الشعب الفلسطيني في دولة مستقلة ذات سيادة يتنقل مواطنوها بحرية تامة.