عبدالله صالح المحمود
الغابة كانت دائمًا صورةً للمجهول، رمزًا لكل ما هو غامض ومعقد. دخولها ليس مغامرة عابرة، بل اختبار للقدرة على مواجهة ما لا يُرى بالعين المجردة. في حياتنا، نقف على أعتاب غابات كثيرة، مواقف وتحديات قد تبدو جميلة من بعيد، لكنها تحمل في أعماقها فخاخًا ومصاعب قد لا نراها في البداية. فمتى ندخل هذه الغابات، ومتى يجب أن نتراجع؟
نحن كبشر ننجذب إلى ما يبدو مغريًا، تمامًا كما تجذبنا الأضواء الخافتة في أعماق الغابة. لكنها ليست دائمًا كما نتصور؛ فالغابة رغم جمالها الظاهر، تحمل في طياتها أحيانًا مسارات موحشة ومخيفة. في الحياة، تُشبه تلك الغابة القرارات التي نواجهها كل يوم. من بعيد قد تبدو الفرص الذهبية لامعة، لكنها قد تخفي خلفها تحديات لم نحسب لها حسابًا. الحكمة هنا تكمن في القدرة على رؤية ما وراء الجمال الظاهري واختيار الطريق الأمثل.
وبالتأكيد فنحن لا نتعلم من الكتب فقط، بل من التجارب التي نمر بها. كل تجربة هي غابة مختلفة؛ البعض يدخلها بعزم وشجاعة، فيخرج منها ناضجًا، والبعض الآخر يغوص في أعماقها بلا تفكير، فيتوه. مثل الشاب الذي رأى في وظيفة معينة أنها فرصة لتحقيق هدفٍ يعتقد أنه يستحقه، ليكتشف لاحقًا أن تلك الوظيفة كانت استنزافًا لصحته وعلاقاته. كان دخوله تلك الغابة نتيجة التسرع وعدم تقييم العواقب. أو تلك المرأة التي اختارت الانخراط في صداقة قديمة بدافع الوفاء والولاء، لتجد نفسها عالقة في دوامة من الخلافات والتوقعات التي أرهقتها.
فالحياة مليئة بمثل هذه الغابات، حيث تختلف طرق النجاح والخروج بسلام من شخص لآخر. لكن السؤال الأهم: هل نتعلم من تجاربنا وتجارب الآخرين؟ في رواية الخيميائي، نرى كيف تكون الرحلة نحو النجاح محفوفة بالمتاهات، وكيف يكون من الضروري أن نتحلى بالحكمة لنتجنب الضياع. العقل البشري هو أفضل بوصلة لمواجهة الغابات التي نصادفها. لا يمكننا تجنب كل المخاطر، لكن يمكننا على الأقل الاستعداد لها. إذا كانت الغابة رمزًا للعقبات، فإن الاستعداد يتمثل في التعليم، والتأمل، وفهم ما حولنا. التجربة هي المعلم الأكبر، لكنها قد تكون قاسية إذا لم نكن مستعدين لها. كما أن الاستعانة بتجارب الآخرين تساعدنا في اجتناب تكرار نفس الأخطاء.
أحد أصدقائي دخل في شراكة تجارية دون دراسة جيدة ولم يكن لديه أي خبرة إنما؛ كان مدفوعًا بالوعود والآمال، لكنه خرج خالي الوفاض، بعدما اكتشف أن رفاقه في تلك الغابة كانوا يخفون النية السيئة خلف الابتسامات.
كما أن النجاح لا يُقاس فقط بقدرتنا على دخول التحديات، بل بقدرتنا على معرفة الوقت المناسب للتراجع. في بعض الأحيان، أفضل قرار يمكن اتخاذه هو عدم خوض المغامرة من الأساس. الحكمة ليست في العناد، بل في التروي وإدراك أن الطريق الذي يبدو واعدًا قد لا يكون كذلك.
«فالعاقل من يتعلم من تجارب غيره»، فالتعلم من تجارب الآخرين يجنبنا الدخول في غابات لا نعرف كيف نخرج منها. وفي بعض الأحيان، يكون التراجع عن قرار خاطئ هو في ذاته انتصار كبير.
والحياة مليئة بالاختيارات، وكل اختيار هو غابة بحد ذاته. البعض منها يستحق أن نخوضه بكل شجاعة، والبعض الآخر يجب أن نتجنبه. لكن الأمر الأكثر أهمية هو أن نكون دائمًا مستعدين. «لا تدخل الغابة»، ليست نصيحة بالابتعاد عن المخاطر، بل دعوة للتفكير العميق والتخطيط المدروس.
ختاماً، كما قال الشاعر صفي الدين الحلي:
«لا يَمتَطي المَجدَ مَن لَم يَركَبِ الخَطَرا
وَلا يَنالُ العُلى مَن قَدَّمَ الحَذَرا
وَمَن أَرادَ العُلى عَفواً بِلا تَعَبٍ
قَضى وَلَم يَقضِ مِن إِدراكِها وَطَرا»