سلمان بن محمد العُمري
من الأخطاء الشائعة عند بعض الموظفين وخاصة من يتسنم منهم مسؤوليات إشرافية أو إدارية أنه يحرق سني عمره بالعمل المتواصل ويحرم نفسه من الإجازة لسنوات، وحينما يأخذ إجازة تراه لا ينقطع عن العمل بالتواصل الهاتفي أو التقني عن بعد، فلا يهنأ بإجازة ولا تهنأ أسرته هي الأخرى بالتفرغ التام لها ولنفسه، بل إن أحدهم يفاخر عند إحالته للتقاعد أن لديه رصيد من الإجازات قد يصل للثلاثين شهراً؟!!
والأسوأ من ذلك من يبلغ السن النظامي فيصدر قرار إحالته على التقاعد ولا يغادر كرسي الوظيفة بل يسعى للتمديد ما استطاع إلى ذلك سبيلا، ثم يطلب التعاقد معه ليشقي نفسه بل ويشقي غيره، وكأنه لم يخلق سوى للعمل، ولربما ذهب لقطاع آخر وعرض نفسه وقدم لهم صفحات من خبراته وكأنه يريد أن يأخذ زمنه وزمن غيره ولا يكل ولا يمل، والغالب في هؤلاء أن أوضاعهم المادية جيدة ولكنهم يريدون الاستزادة، وإذا ناصحت من هم على هذه الشاكلة قالوا: نحن لا نحب الفراغ ونريد شغل أوقاتنا بما يفيد!! والبعض منهم ربما يصاب بصدمة حينما يحال للتقاعد ولا يتم تجديد التعاقد معه.
إن المتعلقين بالوظائف والمتشبثين بها هم من أسوأ أحوال الناس نفسياً واجتماعياً وربما تسلل إليهم مرض الزهايمر قبل غيرهم لأنهم غير اجتماعيين ولا ينفسون عن أنفسهم ولا يعرفون للترويح باباً.
ومن القصص المؤلمة لمثل هؤلاء الذين يتعلقون بالعمل بعد التقاعد.. ما قاله أحد الأشخاص عن جارهم المتقاعد الذي خدم أكثر من 60 سنة، حيث تم التمديد له أكثر من مرة.
وقد التحق في الخدمة في هذا القطاع وعمره 17 سنة، وقد تدرج في المراتب حتى وصل إلى منصب مرموق في هذا القطاع.
ويقول الرجل نقلاً عن ابنه أنه كان إنسانا ً محترق للعمل، ويحب عمله ومتفانيا فيه، إلى درجة الهوس..!!
يقول الإبن: داهم الزهايمر والدي وهو على رأس العمل؛ فأحيل إلى التقاعد لأنه بدأ يخلط في بعض الأمور، وينسى طريق العودة للبيت، أما صحته فكانت ممتازة جداً..!!
فاضطررنا أن نمنعه من قيادة السيارة، ولكنه كان يصر علينا أن نسلمه مفاتيح السيارة.
وفي كل صباح عند تمام الساعة السابعة، يلبس المشلح، ويحمل الشنطة الدبلوماسية، ويركب السيارة فـيطلع معه أحد إخواني حتى يعيده للمنزل بعد أخذ لفة في الحي أو مشوار لا يستغرق ربع ساعة.
يقول: الآن في حوش المنزل ثلاث سيارات (رانج، مرسيدس، أولدزموبيل) كلها متعلقة بالوالد وكلها موديلات قديمة نوعاً ما، وجميع هذه السيارات مرفوعة على (بلك) حتى لا يقودها ويتسبب في حادث أو يمسك خط كما فعل في أحد المرات حينما اتصل علينا من «صلبوخ»، وقال أنا ما أدري وين أنا فيه...!!!
الآن يصحو الصباح ويعمل جميع الطقوس التي كان يقوم بها عندما كان على رأس العمل.. يتروش ويلبس ويحمل المشلح وتحمل الشغالة الشنطة الدبلوماسية، حتى السيارة، ثم يركب السيارة ويشغلها ويفتح الراديو، ويدق إشارات، ويجلس فيها مقدار الوقت الذي كان يقضيه في السيارة حتى يصل إلى مكان عمله ..!!!
ثم يدق بوري على باله أنه خلص من الدوام حتى تستقبله الشغالة وتحمل الشنطة معه.
يقول: حتى الخادمة صارت تعيش الدور مع والدي، إذا سمعت بوري السيارة وهي في المطبخ، ترمي ما في يدها وتخرج مسرعة حتى تحمل الشنطة وهي تردد.. جاء بابا، جاء بابا.. والبابا في سيارته لم يتحرك شبراً واحداً..!!!
أيها المتقاعد أو الموظف الذي على وجه التقاعد لنفسك عليك حق فلا تكن عبداً لوظيفتك، ولا ترهق عمرك في العمل المتواصل والتقيد بمواعيد العمل وهموم الذهاب والانصراف من الدوام، وإياك أن ينطبق عليك المثل الشعبي (حمار المكدة) وهو الذي لا يعرف التوقف عن العمل مطلقاً.