د.محمد بن عبدالرحمن البشر
من نِعم الله على المسلم فعل الخير سواء في حياته أو أن يوقفه لأعمال الخير بعد وفاته، وأول أعمال الخير هو صلة الرحم والبدء بمن يعوله المسلم، وتتنوع أنماط تلك الأعمال الفردية والأسرية، منها ما يكون على هيئة مؤسسات، كبيرة ذات تنظيم وقواعد إدارية واضحة، تقوم ببناء المستشفيات والمساجد وحفر الآبار وغيرها، وأخرى تكون عائلية منظمة ذات أهداف معلومة، كأن تكون لدفع رواتب شهرية للمحتاج من العائلة، أو المساعدة في دفع نفقات التعليم، أو العلاج وخلافه، وبعض أعمال الخير تكون بالإنفاق الشخصي على المحتاج من العائلة أو الأقرباء، والأصدقاء، ومن يطرق الباب ناشداً العون ممن يتم التأكد من صدقه، ووجه إنفاقه للمال مثل المساعدة في زواج أو علاج أو نحوه.
كل تلك الوجوه خير والحمد لله، لكن يبقى ما يستحق الإشارة إليه، وهو أن البعض ربما يعرف أُسراً بعينها كان والدهم في يسر، وأوقف ثلث ماله أو أقل في بناء المساجد وخدمتها أو حفر الآبار أو الصرف على سبل الخير المختلفة، لكنه لم يوقف قدراً كافياً مما حباه الله على المحتاج من أبنائه وأحفاده، فإننا نشاهد بين ظهرانينا أسراً أوقف آباؤهم الكثير، لكن تلك الأسر قد يكون بعضها في حاجة لما يسد عوزهم، وهذا أمر يحتاج إلى نظر من الموقفين لأن بعض الورثة قد لا يحسن التصرف فيما ورثه، أو يجتهد فلا يحالفه الحظ، أو يغامر مغامرة غير محسوبة، أو يقع بماله أمر غير متوقع، مثل إصابة الزراعة بالأمراض، وغيرها، وإذا ما أصابه ما أصابه، فقد لا يجد ما يكفي لسد حاجته، واذا لم يكن ذلك الأمر في الأبناء فقد يلحق الأحفاد، وقد يقول قائل إننا نسمع الكثير عن النزاعات بين أفراد الأسرة الواحدة على كيفية إدارة الوقف، وهذا واقع، لكن ليس من الحكمة ترك الصواب بسبب الخطأ في تنظيمه، فإذا نُظم بطريقة جيدة فإن الوقف بتوفيق الله ينمو، ويعم نفعه على أفراد الأسرة. وقد يستمر إلى أجيال لاحقة، واليوم ولله الحمد تنوعت النظم والطرق التي يمكن أن يصان بها الوقف ويحفظ، وتحسن إدارته، سواء كان الوقف عقاراً أو أسهماً أو غير ذلك.
لا شك أن تعاقب الأجيال يجعله موزعاً على عدد أكبر، فيقل نصيب الفرد، لكنه قد ينمو إذا أحسن تدبيره بما يكفي ويستمر في عطائه، ويمكنني القول إن كل جيل عليه مسؤولية إصلاح ذاته وماله حتى يواصل الطريق الذي رسمه الآباء، ومن المعلوم أن تغير الظروف وتغير الأحوال مع تغير الزمان، قد تغير الكثير مما يرسم، وهذا ما نشاهده ونعيشه ولله الحمد من أمن واستقرار، وتنوع في سبل العيش، وهناك أوقاف سابقة تقتصر على إنتاج نخلة أو نخلتين أو أكثر من ذلك بقليل، وهي لا تعني شيئاً مهماً في وقتنا الحاضر.
لابد لنا أن نذكر أن العمل الخيري ليس مقتصراً على المسلمين، لكن هناك اتباع ملل أخرى لديهم مؤسساتهم الخيرية وأوقاف قديمة وحديثة، وهناك أوقاف إسلامية ومسيحية في القدس الشريف لها مئات السنين باقية بل ونمت في ظل الحكم الإسلامي المتعاقب مع اختلاف توجهات الدول الإسلامية، وفي العصور المتأخرة أصبح للمؤسسات الخيرية في بعض الدول غير الإسلامية أهداف أخرى مثل معالجة الضريبة، واستخدامها أداة في السياسات الداخلية والخارجية، كما يحدث في التبرعات للجامعات أو الدول المحتاجة.