أ.د.عثمان بن صالح العامر
البحث عن مواطن الجمال ومكامنه حاجة فطرية أودعها الربُّ وأوجدها الخالق سبحانه في تكوين هذا المخلوق المكرَّم على غيره والمسخَّر له ما في السموات والأرض.. والحاجات البشرية الجبلية أياً كانت تحتاج إلى إشباع حقيقي حتى يبقى الإنسان حياً على الأرض، وينعم بصحة جسدية ونفسية وذهنية جيدة، ولذا لا عجب:
- أن ينفر الإنسان من المشاهد المقزِّزة، ويرفض السكن في أماكن متسخة، وتشمئز نفسه من تناول طعامه وشرابه في أوانٍ ليست نظيفة، وقس على ذلك المركب، والملبس، و... وفي المقابل لا عجب أيضاً...
- أن يحرص الإنسان على تجميل نفسه ما استطاع، يقف أمام المرآة كل صباح وعند المساء، يحاول أن يتفرَّس في وجهه بحثاً عن مكامن وملامح الجمال تحت مسام هذا الجزء من جسده، وربما تدخل «هي أو هو» بإضافة محسنات أبدع في اختراعها والتوصل لها الذهن البشري العالمي لا المحلي طبعاً، من أجل أن يكون أي منهما أجمل أو أوسم مما هو عليه، وإن كان الحال - كما هو معلوم - عند الأنثى أقوى أثراً وأكثر شيوعاً.
- وأن يبحث عن الزوجة الجميلة.
- وأن يسافر هو وعائلته إلى أقصى الشرق أو الغرب رغبةً في الاستمتاع بالجمال الذي يتوقع وجوده هناك، ويعود بعد رحلته القصيرة وقد التقط الصور التذكارية التي توثِّق الحدث وتحقِّق له ولصغاره المتعة والأنس عندما يشاهدها ويتأمل فيها، وكلما تقدم الزمن به زاد تعلّقه بها.
- وقس على ذلك السكن في الفنادق الفخمة الجميلة ذات الإطلالة الرائعة، والسيارة.. والملبس.. والمأكل.. والمشرب.
نعم، الإنسان بكل حواسه ومنافذ إدراكه «الأذن والعين والفم والأنف» «البصر والسمع والذوق والشم» يعشق الجمال، والقلب يصدق ذلك أو يكذبه.
لقد فاض علينا الرب وجاد هذه الأيام بالغيث الذي غسل الأرض ونظف البراري، عادت كما هي من قبل تأسرك بجمالها وتملك عليك شغاف قلبك وتملأ ما بين الحنايا بهجةً وأنساً، وتمنحك وأنت تتنقَّل هنا وهناك فرصة ذهبية للتأمل والنظر مد بصرك، وحقها علينا وواجبنا نحوها المحافظة على هذا الجمال الطبيعي الرباني الذي حبانا الله إياه، تعبداً له سبحانه وتعالى وشكراً «فالله جميل يحب الجمال»، ولأن المستفيد من هذا العمل الإيجابي هو أنت وأنا وهو وهي (مجموع الـ «نحن»)، ولانعكاس ذلك على الوطن والحركة التنموية في قطاعاتها المختلفة.
إن المحافظة على المكان ثقافة وسلوك يتربى عليه الإنسان منذ نعومة أظفاره ويكبر معه حتى المشيب، لا ينفصل عنه زماناً ومكاناً وحالاً، وكما أن نظافة بيوتنا مسؤوليتنا أفراداً وساكنين، فاحترام المكان ونظافة بيئتنا المحلية هي أيضاً مسؤولية مشتركة لا يمكن أن يعفى من تبعاتها أحد منا صغيراً كان أو كبيراً، ومن أتيحت له فرصة التمتع بالتنقّل في براري حائل هذه الأيام أدرك بنفسه كم نحن قساة على جسد أرضنا الطيِّبة الرائعة، نمارس العنف بأقسى أنواعه عنوة ومع سبق الإصرار والترصد لنشوه بهذا الفعل الغريب وجه «ديرتنا» الجميل، فنحرم أنفسنا وأولادنا وضيوفنا متعة البقاء في مكان بيئي مميز.
شكراً لكل من حمل على عاتقه مسؤولية احترام البيئة والمحافظة على المكان، وأتمنى من قلبي أن ينبري لهذه المهام جمعية تطوعية تكتب وثيقة وطنية تؤكد فيها المسؤولية الشخصية للمشاركة الفعلية في تحقيق هذا الأمر المهم وتطلب من الجميع التوقيع عليها، وبطريقة حضارية تشعر بالتكاتف والتعاون من أجل بيئة طبيعية أفضل. دمتم بخير، ومبارك هذا العطاء الرباني الذي أساله سبحانه أن يكون صيباً نافعاً، وإلى لقاء والسلام.