د. منال سخري
أضحت المشكلات البيئية اليوم تفرض إيجاد حلول جذرية على مستوى الحكومات الوطنية مع التوجه العالمي لأمننة القضايا، والأمر لا يتعلق بترسانة القوانين، ولا بالمؤسسات المسؤولة عن مراقبة وتنفيذ السياسات البيئية المختلفة فحسب، بل لابد أن تركز الحكومات على السبب وراء أهم المشكلات البيئية التي تعانيها مجتمعاتها المحلية والتي محصلتها التدهور البيني الذي تعانيه مثل فقدان التنوع المولولجي، زحف التصحر الجفاف التلوث... ومنه كان البحث عن أهمية إدراك ووعي الافراد بالقضايا والتحديات البيئية لمجتمعاتهم ومدى تأثيرهم عليها، وبالتالي التحكم بنسبة كبيرة إن لم نقل 50 بالمائة من الآثار البيئية الناجمة عن سلوكياتهم. يبقى الباقي يتعلق بأنظمة الانذار المبكر للتعامل مع ظواهر الطقس والكوارث الطبيعة التي لا دخل للإنسان فيها.
وحتى نصل إلى هذا المستوى من الادراك والمعرفة بالبيئة وتوثيق الرباط بين الانسان وبيئته فنحن بحاجة إلى نقل وتقديم المعلومة البيئية والتعريف بالمشكلة البيئية، وخلق الشعور والاهتمام لدى الأفراد لتعزيز مسؤوليتهم البيئية وتشجيعهم على تقديم الحلول لمختلف المشكلات والتحديات البيئية التي تواجههم، وهو ما يعرف بالتوعية البيئية، فنجاح هذه العملية يؤدي إلى تكوين الوعي البيني لدى المواطنين فهو تحصيل حاصل لها.
إن التوعية البيئية هي منظومة متكاملة تعمل بفعالية أكثر في إطار رؤية استراتيجية وإرادة سياسية للحكومات الوطنية، بعيدا عن الشكلية والمناسباتية في التعاطي مع القضايا البيئية، وأعتقد أن أول الأفعال وأهمها والذي يرتكز عليها ترسيم وترسيخ السلوكيات البيئية هي الأسرة فهي مهد التوعية والتربية البيئية، من خلال تنشئة الفرد وإكسابه السلوكيات صديقة/ غير صديقة للبيئة، انطلاقا من التعامل مع الطعام والرفق بالكائنات الحية من الحيوان والنبات إلى التخلص السليم من النفايات، ثم يأتي دور المدرسة وباقي الفواعل الأخرى من الاعلام البيني، تنظيمات المجتمع المدني المساجد.
أعتقد أن تحقيق التوعية البيئية في المجتمع يكون من خلال ثلاث آليات:
الآلية الأولى على مستوى الأفراد كما جاء الشرح سابقا في دور الأسرة وتشجيع السلوكيات.
السليمة.. وهي تمثل الارادة المجتمعية في حماية البيئة أو المساهمة في تدهورها.
الآلية الثانية على مستوى الحكومات/ صانعي القرار فوجود مستوى معين من الوعي البيئي يؤثر في رسم السياسات البيئية المستهدفة والرؤية في التخطيط، مثلا الفرق شاسع بين مدن ذات تهيئة عمرانية خضراء وأخرى يغزوها الاسمنت، فصانع القرار البيئي لابد أن يتمتع بمستوى عال من الوعي في مجاله من خلال الموازنة بين الاقتصاد والاستدامة، وكما جاء في المبدأ الرابع من مؤتمر ري ودي جانيرو فلابد أن تكون البيئة جزءا لا يتجزأ من عملية التنمية، لأنه لا وجود لتنمية مصاحبة لتدمير البيئة.
الآلية الثالثة على مستوى برامج الحكومات وهنا تظهر الرؤية الاستراتيجية التي يدعمها الاطار المؤسسي والتشريعي النافذ والفعال متبوعا بآليات التقويم والتقييم السلس.
في إطار هذه الرؤية لابد من وجود منظومة منهجية التعليم البيئي) موجهة للتلميذ بالمرحلة الابتدائية، كوجود مادة تعليمية تحت مسمى التربية البيئية الثقافة البيئية العلوم البيئية.. إلى جانب ضرورة وجود النوادي البيئية كجزء من نشاطات التعليم بالمدرسة حيث يرتكز عملها على مختلف المهام البيئية: الزراعة التي تعلم الطفل التعامل مع البذرة والتربة، كما تنمي فيه روح المسؤولية في الاعتناء بغرسه، واعادة التدوير، وتربية الحيوان وغيرها، وهو ما من شأنه تعميق علاقة الارتباط/ الانتماء للطفل وهو رجل الغد ببيئته، كما تمهد الطريق الوظائف خضراء وتقديم الحلول المستدامة للمشكلات البيئية التي يواجهها مجتمعه.
إن تحقيق الوعي البيئي يساهم في إنجاح السياسات البيئية للحكومات أين تتناسق إرادة الدولة مع الشعب نظرا لوجود ذلك الوعي والإدراك لدى الأفراد بأن حفظه لبيئته هو تحقيق لأمنه وأمن الأجيال اللاحقة، وأن احترامه للقوانين والقواعد والتشريعات البيئية هو صيانة لحقه وحق الآخرين في بيئة صحية آمنة، إن الوعي البيئي سيجعل الرقيب الوحيد على أفعال المواطن ضميره وخلقه وليس الخوف من العقوبات، وبذلك تقطع الحكومة شوطا كبيرا في تحقيق جيل صديق للبيئة يأخذ على عاتقه مهمة تحقيق الاستدامة البيئية والمساهمة بأفكاره ومشاريعه الابتكارية في تطوير اقتصاده المحلي ليصبح شريكا فاعلا في سياساته الوطنية.
إن تركيزنا هنا في حلقة التوعية البيئية على الأفراد بصفتهم المستهدفين من السياسات البيئية وعلى الحكومات بصفتها الاطار التنفيذي والتشريعي بالمجتمع وهو الذي يضبط أدوار باقي الفواعل التي تعمل على تحقيق الوعي البيئي في المجتمع كالإعلام البيئي والمجمع المدني سنعود لأدوارهم بالتفصيل في لاحق المقالات إن شاء الله.
نصل إلى أن أهمية تحقيق الوعي البيئي من خلال فعالية قنوات التوعية البيئية هي مفتاح نجاح السياسات البيئية الوطنية وتبني النمط المستدام في حياة الأفراد من خلال المسؤولية المشتركة التي يتقاسمها الافراد والحكومات.